مع مبارك كانت لقاءاتهم معه سهلة ميسورة ... و نزهة مبهجة ...يدخلون معه في اجتماع مغلق وحيدا في مواجهتهم لا معه مستشار و لا تابع من الوزراء .... و لا حتي جهاز تسجيل ...و يبدأ حديثه بلغة ألف ليلة و ليلة ..شبيك لبيك كل ما تطلبونه من مصر بين ايديك .. و بلغة العصر أحلامكم أوامر و برمش العين أُجيب و ُأُلبي و أبصم بالعشرة ... و ينتهي الاجتماع المغلق بالخروج إلي المؤتمر الصحفي و أمام العدسات و الكاميرات و التزاحم من الإعلاميين تنهال الإشادة و المديح عن حكمة الرئيس و الجخ الثقيل عما حققه من استقرار و حرصه الدائم علي تنمية العلاقات المتينة التي عادت بالمنافع و الخير العميم علي البلدين... هكذا تمت سرقة غاز مصر ... و بالمثل وُقّشعت اتفاقية الكويز .. و علي المنوال اشتركنا في حرب عاصفة الصحراء ضد العراق وتزعمنا العرب في قرار الجامعة العربية كغطاء و منح شرعية لكل ما قامت به أمريكا بعد ذلك من حصار و تجويع لشعب العراق و التمركز باطمئنان فوق أنفاس الخليج ... و علي الدرب حاصرنا غزة سياسة و أنهاكا....و تزعمنا لوبي عربي معتدل ينسق و يخطط مع مخابرات أمريكا و إسرائيل لتصفية قضية فلسطين مصدر الإزعاج و مبعث تكدير المزاج ... و عادينا إيران و أيدنا تدمير غزة و جنوب لبنان... و كان قمة التعاون في استخدام مسالخنا و خبراتنا المتفوقة في مقرات أمن الدولة كمراكز لاستنطاق و تعذيب أسري أمريكا في حربها علي الإرهاب.... لقد كان كنزا استراتيجيا لهم ...و كان لنا فضيحة وخزيا و هوانا ... و تقزيما لشعب عملاق....
و قامت الثورة ....فضاع الكنز ...
فماذا تفعل يا ولدي إذا ضاع منك كنز ؟؟؟ و ليس كأي كنز ...إنما كنز استراتيجي ...!!!...أغلب الظن أن الصدمة لن تترك لك الفرصة لتحرير محضر في القسم أو تسمع نصيحة أمين شرطة يعرف طريق الحرامية ليعقد معهم صفقة...أو حتي الذهاب لمن يفتح الفنجان و يضرب الودع ليصف لك شكل اللص ومكانه ...و لكن ستصيبك الصدمة بالسكتة و الشلل و تروح فيها... ....هذا علي مستوي الشخص ....أما إذا كان المصدوم دولة بحجم أمريكا و خبث اسرائيل فإن استيعاب الزلزال لا يلبث معهم إلا قليلا يستدعون بعده مخزونهم من المكر و الألاعيب و شغل الثلاث ورقات ... يفتحون غرف أبواب العمليات و يستخرجون من أدراجهم خطط الطوارئ و يُسَلَّكون قنوات الاتصال و يفتحون الخزائن فهذا وقت الإنفاق و السخاء.... لا مساومة عند شراء الذمم ...و لا تقتير عند تجنيد الأعوان....و الهدف المنشود هو الالتفاف علي أهداف الثورة ... زرع الجواسيس و إثارة الفتن و نشر البلبلة ...و تسونامي من الحرب الإعلامية لتشويه أشراف الأمة ....و النجاح النهائي هو تعميم الفوضي ...و لكن لا بأس من مكاسب مرحلية تدور حول شل حركة الثوار و اختراق جموعهم ما أمكن و اللعب بأضواء الإعلام في أدمغتهم و تشتيت انتباههم و خلط أوراقهم وعكس أولوياتهم....
كل هذا شاهدناه و لاحظنا معالمه وتتبعنا خطواته و لمسنا أثره في الملايين التي شخشخت في الجيوب , و سَلّكت الحناجر و نظمت المؤتمرات , و زينت الديكورات و لألأت أنوار الاستوديوهات و كوْفرة المذيعين قبل المذيعات و أسالت حبر المطابع ... و أطلقت العنان لأبالسة التحرير ....و لكن المشهد الأكثر إثارة كان هو تقاطر كبار المسؤلين في زيارات متتالية مبرمجة و بصحبتهم كتائب رجال الأعمال و ممثلي الشركات العملاقة و بعد الطواف بالميدان و المصافحة و التصوير تنطلق تصريحاتهم عن الثورة الفريدة و شبابها المتميز الذي يستحق العون ... و يتحدثون عن الاقتصاد الواعد وعن المساعدات السخية بالمليارات ( منذ أيام كانت مؤسساتهم تتحدث عن الانهيار و الوقوف علي حافة الإفلاس ) .... كلام عن مشاريع ستجعل من البحر طحينة و من أرض مصر جنة تفيض انتاجا و نماء ليمتلك الفقير المحروم من أهلها الفيللا و اليخت و توكوكا ( فول ُأبشن ) مشابه لتوكتوك القذافي...و استكمالا للمشهد المثير أقاموا مؤتمرا للمانحين أسفر عن توزيع أعباء و التزامات بالمليارات تظل معلقة و وعودا و أماني ستنتهي في الغالب مثلما انتهت مؤتمرات سبقتها لمساعدة أفغانستان و فلسطين و غيرها من المنح الفشنك....
فماذا يريد الغرب بهذه العاصفة من الوعود و الآمال؟؟؟؟
لم نعهد في سياسة الغرب أنها جيدة كريمة تهب اليورو في الصُرّة ...و تنثر الدولارات صدقات و منحا...لم نعهد الغرب إلا مرابيا يحسب السحتوت قبل السنت و البنس ...لا يعرف دينا معدوما إلا بعد أن ينزف المدين دمه و يبيع الجلد والسقط ...السياسة الغربية براجماتية نفعية انتهازية مصلحجية و في العديد من المواقف تسفر عن وجه عنصري بشع ... مؤسساته المالية بلا قلب لا تعرف سوي الأرقام.... إذا أنفقت دولارا أخذت مقابله اثنين و ثلاثة... و الأفضل أن يأخذ بلا رد !!!... سياسة الغرب لا تقيد حركتها أخلاقيات أو مُثل ....لا تتورع عن القتل و التدمير لتأمين و حماية مصالحها ... الغريب و العجيب أن الغرب في حروبه علي العراق اتخذ أهله ومنشآته ميدانا لتجربة أسلحته الحديثة ... كما كانت مناسبة انتهزها للتخلص من المخزون الراكد للأسلحة و الذخيرة المنتهية صلاحيتها و تشغيل مصانعه لإنتاج الأكثر تطورا ...ثم ....تقاضي ــ من الشعب المغلوب ـــ ثمنا لكل هذا و بالسعر الذي حدده ...
الغرب يرسل رسالة واضحة تقول أنهم يملكون مقومات النمو التي لا غني لناعنها ...و هي تحت الطلب و الأمر ياجميل ..إذا ...و إذا ...و إذا ....و حالما ...و عندما ..و كلما ...و طالما...
فماذا نقول لهم ..؟؟؟؟
هل نقول لهم أننا جربنا كل حيلكم و( فقسناكم ) و سئمنا ألاعيبكم (النصف كُم ) ....و أنه ينطبق عليكم قول الشاعر ( يعطيك من طرف اللسان حلاوة و يروغ منك كما يروغ الثعلب )؟؟؟... هل نقول متشكرين ...لا نريد معونتكم المسمومة... فلم تسفر إلا عن تكريس هيمنتكم علينا ...ولم ينتفع بها إلا عملاءكم من الفاسدين المفسدين ؟؟؟ ... هل نقول(سوري ...آسفين ) ...لا نسعي لنيل منحكم التي خصصتموها لمنظمات تمثل طابورا خامسا خلف ظهورنا تدعو إلي محو ذاكرة الشعب و تقطع ما بينه وما بين أصله و تراثه ؟؟؟...لن نقول ذلك ...و لكن ستسمعون الكلام الكبير عن الندية و عدم التدخل في شأننا الداخلي ...و عيب عليكم عندما تدفعون باللصوص و الجواسيس يتسللون من الأبواب الخلفية .... و أنه..و منذ تاريخه ...لن تجدوا من يجلس معكم في غرفة مغلقة بل و في العلن و علي عينك يا تاجر ... و دون النظر إلي الخلف ...و بلا مواربة و بالمفتشر و بالفم المليان...ستسمعون من يقول لكم :
كما أنكم في حاجة إلينا ....نحن أيضا ــ بكل بساطة ــ في حاجة إليكم بلا عُقَد منا ولا استعلاء منكم ...و إنما منافع متبادلة و مصالح مشتركة ... لن نستخدم الاصطلاح الكروي خذ و هات ...و لكن نستخدمه بعد تعديله إلي ... هات أولا ثم خذ ....و علي ساسة الغرب أن أن يدركوا أنهم أمام واقع جديد و أمام شعب استرد كرامته و إرادته و شطب من مفردات تعامله عبارات الخضوع و الانبطاح ... و لن يسمح لمن يحكمه بأن يفرط في حق من حقوقه ....و...ستسمعون كثيرا من يقول لكم في أدب ....
ـــ (نو ) يا خواجه ... عيب و اختشي...يا خ! ! ! بيـبي...
No comments:
Post a Comment