مــاذا
لــــــــــــــــو ..!
بقلم: م. محمد أنور رياض
ثورة 25 يناير كان من الممكن أن تنتهي نهاية مختلفة... كان من
الممكن أن يكون حسني مبارك الآن ناعمًا في أحد القصور الخليجية بدلاً من رقوده في
عيادة سجن طره الرطبة الموحشة فقد كان لديه الوقت للهرب من مصيره مثلما فعل زين
الهاربين بن علي ولكن إرادة الله شلّت إرادته لينتهي به إلى مصير لا يشفي غليل
ملايين البشر فقد نال كل واحد منهم نصيبًا من ضرر فساده وغباوته.
وبالمثل كان من الممكن أن يكون نجليه وأمهما الآن أحرارًا
يتجولون بين عواصم الغرب يستنفرون مخابراتهم ويقودون مؤامرات الثورة المضادة
بالتواصل مع فلولهم في الداخل ولكن تدبير الله الغالب أعمى أبصارهم ليقعوا أسرى في
سجون الثوار ويحال بينهم وبين ما نهبوه من ثروات... وتجلت التدابير الربانية في
تتابع، كلما ذلل الله أمام الثوار عقبة بعد الأخرى، وكلما نجّا الله الثورة من كيد
أرادوه لها انعكس عليهم إحباطًا وانسدادًا لباب من أبواب الأمل، وكان آخر
الاحباطات لهم هو سقوط حكم العسكر ورجوع القوات المسلحة إلى شعبها والفشل المهين
لدعاة الفتنة يوم 24 أغسطس.
وكان من الممكن أن يكون الآن أحمد عز وصفوت الشريف وسرور
وزكريا عزمي وكل أزلام مبارك خارج الحدود وفي تواصل حر مع صبيانهم وأتباعهم
يحركونهم بالموبايلات ويستحثونهم بالرشاوى لمواصلة إفساداتهم والتحريض على تنكيد
حياة المصريين دفعًا نحو كراهية الثورة والثوار إلا أنهم تعلقوا بالحبال (الدايبة)
في حكم يتداعى، ووقعوا في ما سبق من علم الله أن هؤلاء سيقعون في وهم أنه لا زال
الوقت مبكرًا على تشغيل مواتير طائراتهم الخاصة الجاثمة في المطار وأن زمن القول
يا (فكيك) لم يأت بعد ليجنوا في النهاية ما يستحقونه عقابًا على شر أعمالهم.
وكان من الممكن أن تنتهي الثورة يوم موقعة الجمل بسحق الثوار
ونصب المشانق في ميدان التحرير ليتدلى من حبالها أعناق الآلاف ممن خرجوا أملاً في
إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة ولكن قدر الله الذي سبق في أن تظل هذه الهامات
مرفوعة تواصل جهادها وسعيها نحو إقامة مجتمع الحرية والعدالة في ظل الشريعة السمحة.
ماذا لو:
ماذا لو أن الإخوان لم يتخذوا قرارهم الهائل بدخول سباق
الرئاسة الذي أقروه في لحظة عبقرية وسط معارضة عنيدة من ما يقرب من نصف أعضاء شورى
الجماعة بسبب ما لديهم من تخوفات وأسباب حقيقية بتأجيل هذه الخطوة، ألم يكن ذلك
كفيل بفتح الطريق أمام صبي مبارك المدعو شفيق لينتكس بالثورة إلى عهود الفساد
والاستبداد؟
كان من الممكن ألا يتخذ الإخوان قرارهم التاريخي بدخول
انتخابات الرئاسة بعد تردد ومتجاوزين عهدًا قطعوه عل أنفسهم في أول أيام الثورة
بأنهم لن يدخلوا سباق الرئاسة مما عرضهم لحملة ضارية من العواء والولولة بأنهم
رجعوا في كلامهم وطماعون يسعون إلى التكويش والاستحواذ وكأن ذلك عورة وعيب
و(كٌخُّة) وليس منهجًا عالميًّا يمارسه كل من يعمل بالسياسة يسعى لامتلاك السلطة
التي سينفذ بها برنامجه وفي سبيل ذلك عليه مراجعة قراراته كل حين عندما تتغير
المعطيات... لقد اتخذ الإخوان قرارهم بعد مداولات استمرت ما يقرب من الشهر ضيع
عليهم وقتًا ثمينًا لدخولهم الحملة الانتخابية متأخرين عن منافسين بدأوا قبلهم
بسنة وأكثر وسط قصف إعلامي استخدم فيه أبالسة الفضائيات كل ما يملكون من خبرات
الخداع والتدليس وقلة الأدب والتطاول علي شخصية أكاديمية لها مكانتها العلمية
ومجاهد ترك الدنيا ومغرياتها أثناء دراسته في أمريكا وعاد لبلده وأهله لينتظم مع
إخوانه من قادة الجماعة فيما نذروا حياتهم له من مقاومة الفساد والسعي لتحقيق
المشروع الإسلامي وتكريس معاني العبودية لله التي ينال بها الإنسان سعادة الدنيا
والآخرة.. لم يتركوا فاحشة إلا و نعتوه بها، واحد بحمالات يأتي بنموذج لإطار سيارة
في برنامجه التلفزيوني الذي يخصصه في الهجوم على (الاستبن الاحتياطي)، وآخر يقول
في تأفف (ليس له كاريزما) وغيره يطالب كل من ينتخبه أن يعصر على نفسه ليمونة،
و(الثوري) المحايد منهم يقول وقعنا في فخ الاختيار بين السيئ والأسوأ والحقيقة أنه
اختار برضى وسماحة وفي السر جانب الثورة المضادة عداء وحقدًا على الإسلاميين.
سارت هذه الدعايات السوداء كالنار تحصد من شعبيته الإخوان خاصة
بما صاحبها من محاولات اغتيال إنجازات مجلس الشعب، وكان على ماكينة الإخوان
الانتخابية أن تعمل بكل طاقاتها (حتى إنها دخّنت) لتواجه هذا القصف الإعلامي
العاتي الذي اصطفت خلفه أجهزة الدولة العميقة وحرامية الحزب البائد (من ضمن
المفتريات التي أطلقها عكاشة ال.... ال.... ال.....(وأترك الفراغات لقضاء مصر
ليقول قولاً فصلاً فيها) يدعي استهبالاً أن مريضة بصحبة والدها ذهبت إلى عيادة
الدكتور مرسي ورجعت دون علاج لأن مرسي يتقاضى ثلاثمائة جنيه مقابلاً للكشف)، وهي
نكتة سوداء الغريب أن صدقها كثير من البسطاء الذين (اعتادوا) عدم استخدام العقل في
التفكير.
ماذا لو:
ماذا لو استجاب مرسي بالانسحاب من جولة الإعادة استجابة للضغوط
الهائلة التي تعرض لها من ساسة النفاق والانتهازية (جماعة تقول إنه لا أمل لك أمام
مرشح العسكر مقدمين تبريرًا ساذجًا بأن الانسحاب سيفقد شفيق الغطاء الشرعي في حين
أنه كان لا يعنيه إلا الوصول إلى الكرسي حتى ولو (بلبوصًا)، وأخرى تقترح في مراهقة
سياسية بالتنازل لصباحي القادم راكبًا فرسه الأبيض وهو الوحيد المؤهل كي يطيح برأس
شفيق بضربة واحدة وهو يصيح ثكلتك أمك. وكأنما ليس هو الصباحي الذي فشل في عمل حزب
أو جريدة والذي سار في ركب الإخوان على الدوام طلبًا للشهرة وسط وجودهم الجماهيري
ولولا تحالفه معهم ما تخطى أحد من حزب الكرامة عتبة مجلس الشعب اللهم إلا .....؛
ثم قوى سياسية (المفروض أنها ثورية) تقدم قائمة بشروط تعجيزية لتأييد من يستجيب
لها من كلا المرشحين مساوية بذلك بين ابن الثورة وعدوها في خطوة مكشوفة (نص كم)
لتبرير انحيازها ضد كل ما هو إسلامي حتى ولو كان مجرم موقعة الجمل وقاتل الثوار.
ماذا لو أن مرسي استجاب لابتزازهم وضعف أمام تيئيسهم له ورفع الراية البيضاء ... ألم يكن ذلك كفيلاً بتسليم البلد على طبق من فضة لمن يعتبر مبارك هو مثله الأعلى ولا يرعى في شعبه إلاً ولا ذمة.
ثم:
ثم تجري الانتخابات ليجمع مرسي أصواتًا أكثر وتعلن حملته
النتائج فتنزل كالصاعقة على كل من كان يتوقع العكس وتصيب بالارتباك معسكر شفيق وكل
من راهن عليه، وفي اليوم بعد التالي ينشر الأهرام وقناة الحياة لصاحبها السيد
البدوي (الوفدي) نفس النتائج ليستمر الارتباك والتخبط، وفجأة يختفي ما أعلنوه في
فضائياتهم وصحف (صفوت الشريف) لتبدأ حملة منظمة من التشكيك شارك فيها الشيوعيون
والعلمانيون بضراوة في إشارة لوجود سيناريو للتزوير دعمتها إشاعات بمساندة رسمية
وتوجه الحرس الجمهوري إلى مقر شفيق تمهيدًا لإعلانه فائزً، فماذا لو كان هذا
الكابوس قد تحقق؟
وأخيرًا:
لو أن أي (لو) مما سبق تحققت لعادت مصر ليس إلى عهد من الظلام
الأسود فحسب بل ولدخلت في غيبوبة أبدية.. ولكنها إرادة الله التي تدفع بهذه الثورة
منذ يومها الأول على طريقها تحرسها عنايته سبحانه التي تتجلى في وضوح كلما تعرضت
مسيرتها لأزمة أو محاولة للانحراف بها عن أهدافها.
لم يقدم الشاطر ولا مرسي أنفسهم كمرشحين للرياسة كما فعل
غيرهم، وإنما من قدمهم ورشحهم هو شورى الجماعة (الشورى المباركة)، الإخوان تتبع
مبدأ (طالب الولاية لا يُولّي)، المناصب مواقع خدمة من يشغلها يعتبرها غرامة
وابتلاء لا منافع فيها إلا منفعة رضا الرب إن أدّاها بحقها.. فلا عجب ولا غرابة
إذا رأيتم الرجل يسدد رميته على هدفه فتصيبه في مقتل، فهو لا يرمي إلا بإرادة
ربانية.
وستظل مسيرته- إن شاء الله- محروسة بدعوات الملايين وهو سلاح
لو تعلمون عظيم.
أذكر في بداية الثورة أنني قلت لأحد قادتنا إن التحدي الحقيقي
هو إخراج العسكر من المشهد السياسي، فأطرق قليلاً ثم قال في حيرة: وكيف يتم ذلك؟؟؟
الإجابة جاءت بعد حوالي عشرين شهرًا؛ في غاية النعومة والهدوء.
فعلها مرسي؛ فاللهم أيد عبدك الصالح حامل القرآن مرسي ، اللهم ثبت أقدامه، اللهم سدد رميته، اللهم أره الحق حقًّا وارزقه اتباعه، وأره الباطل باطلاً وارزقه اجتنابه، اللهم لا تفتنه عن دينه واجعله نصيرًا لكل مظلوم، اللهم أجرِ الخير نهرًا فيّاضًا على يديه، اللهم اخذل كل من يعاديه حسدًا وحقدًا وغلاً ونسألك أن ترد كيدهم وتآمرهم إلى نحورهم، اللهم عليك بالمنافقين وأعداء الشريعة وعملاء الصهاينة ومخابرات الغرب، اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونسألك أن تمكر بهم فأنت خير الماكرين وأنت أسرع الماكرين, ونسألك أن تجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم إنا نسألك أن تخذل إعلام الهمازين المشائين بنميم ناهشي الأعراض آكلي لحم الموتي اغتيابًا وتشهيرًا الذين أهدروا فضيلة الحلال وركبوا موجات الكذب والفجور، الذين باعوا دينهم وآخرتهم بنفايات من غسيل الأموال فصاروا خدمًا وأغواتًا لدى ملاك الفضائيات، اللهم إنا نسألك أن تهدي أقوامًا غُيّبت عقولهم عقودًا وأن تزيل الغشاوة عن أبصار عاشت سنين القهر والظلام فوهنت بصيرتها وأصاب الشلل مداركها فأصبحت فريسة سهلة لدعاة الفتنة وخبثاء الثورة المضادة ومروجي الضلال من أكاذيب وإشاعات.
No comments:
Post a Comment