February 11, 2012


من سرق الثورة ؟؟؟
م. مجمد أنور رياض
خمس ثورات قام بها شعب مصر خلال المائتي عاما الأخيرة  و هو ما ينفي عما أشيع عنه ظلما أنه شعب تفرقه عصا و تجمعه صفارة  و لكن ألا يشير تكرار ثوراته بمعدل ثورة كل أربعين سنة أن كل ثوراته تنتهي بدون تحقيق طموحاته و آماله ... الثورة تقوم هائجة هادرة و ما أن تحقق بعض أهدافها و تسير بعض خطواتها  حتي تبدأ في التعثر بفعل التفاف القوي المضادة الداخلية  لتوظيف دفعها في تعظيم مكاسبهم و أهدافهم  ... الغريب أن  أربعة من هذه الثورات تعرضت لمؤامرات  الاستعمار الغربي و الصهيونية   البربرية ...و باختصار .....
أولي هذه الثورات كانت عام4 180 عندما ثار المصريين بقيادة  شيخ الاشراف  المجاهد عمر مكرم ضد الوالي العثماني خورشيد باشا و جنوده الذين عاثوا في الأسواق سلبا و نهبا و اعتداء علي الأعراض مما أدي إلي قيام الساطان بعزله و تولية محمد علي باشا بدلا منه حسب اختيار الشعب و مبايعة العلماء ..  و بدلا من أن يقوم الوالي الجديد  بأن يرجع في كل شئون الحكم لمجلس من الأعيان و العلماء  كإعتراف بفضلهم و ردٍّ لجميل الشعب الذي حمله إلي شلتة الحكم ( راجع صورة محمد علي وهو جالس منجعص علي شلتته و متقلد سيفه .. )... إلا أنه لجأ إلي شغل الخباثة و لعبة كل مستبد في الوقيعة بين المشايخ و إستمالة المرضي عنهم بالهبات و العطايا  و إقصاء السيد عمر مكرم بنفيه إلي دمياط بعد تلفيق تهمة مالية له مزورة ... و بهذا انقض محمد علي علي الثورة لينفرد بالحكم  ...و رغم أنه قام بالعديد من الإنجازات في مجال التعليم و تنظيم الري و الزراعة و  الصناعة  و غيرها إلا أنها جميعا كانت تتم خدمة لطوحاته العسكرية و العجيب  أن  إصلاحات محمد علي تزامنت مع بداية نهضة اليابان التي اتخذت طريقا أدي بها إلي ما صارت عليه الآن  في حين استخدم  محمد علي جيوشه في تفكيك الدولة العثمانية  حاضنة الخلافة الإسلامية و هو ما صب في النهاية  لصالح القوي الأوربية المتربصة و التي ما لبثت أن انقلبت عليه بعد ان أدي مهمته  لتحطم كل مابناه في أربعين سنة من جيوش و أساطيل  و يموت محمد علي ليترك مصر غارقة في الديون و لورثته من أبنائه فاقدي الكفاءة و الطموح   في نظام  كرس الانفصال بين طبقة حاكمة متعالية  من الأتراك و اشركس و بين بقية الشعب و هو ما أدي إلي ثورة عرابي  ...
الثانية (هوجة ) عرابي
أما ثورة عرابي التي بدأت بالتمرد العسكري1881علي حكم الخديوي المستسلم لإملاءات قناصل الدول الأوروبية  و معتمدا علي الضباط الشراكسة كطبقة متعالية علي الضباط الوطنيين ( الفلاحين ) واضعا الشعب في مرتبة عبيد إحساناته  فكانت صيحة عرابي الأبية :  لقد خلقنا الله أحرارًا، ولم يخلقنا تراثًا أو عقارًا؛ فوالله الذي لا إله إلا هو، لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم.
 ثم كان أن سانده الشعب بأعيانه و علمائه  إلا أن الخديوي لم يتوقف عن محاولة التخلص منه  بإيعاز من الإنجليز  الذين ا نتهزوا حدوث مذبحة الإسكندرية في ( 11 يونيو 1882م) كذريعة لغزو مصر  وكان سببها قيام مكاري (عربجي) من مالطة  و من رعايا بريطانيا  بقتل أحد المصريين، فشب نزاع  سـرعان ما تطورت تلك المشاجرة البسيطة إلى أحداث عنف ضد الأوربيين المقيمين في الإسكندرية وقتل فيها حوالي الخمسين أوربيا وأصيب خلالها أيضا أحد ضباط الأسطول البريطاني. و كانت هي التلكيكة التي دفعت بالجيش الانجليزي لاحتلال مصر و بذلك أجهضت ثورة الشعب المسماه بهوجة  عرابي و استقرت البلاد في جيب الاستعمار البريطاني  بعد سلسلة من خيانات الخديوي المستكبر و الفلول المتواطئين مع الانجليز الغزاة
الثالثة  ثورة 19 كانت شعبية بامتياز ضد الاحتلال البريطاني زاد من حدتها ماقام به الجيش الانجليزي من تسخير مقدرات البلاد الاقتصادية  و تجنيد الشباب خدمة لمجهود الحرب العالمية الأولي  و كان المفروض أن تستمر الثورة حتي يتحقق النصر النهائي بالجلاء و ينتهي الاحتلال مهما كانت التضحيات  إلا أنها توقفت بعد خطوتين و انزلقت  إلي فخ المفاوضات التي أدت إلي الوقيعة بين الزعماء حتي أن البعض كان يهتف بقبول الاستعمار علي يد سعد ولا الجلاء علي يد عدلي و هكذا تحولت الثورة من صراع مع المحتل إلي تجاذبات حزبية  بين  الساسة  انحاز فيها القصردائما ضد الوفد صاحب الشعبية .و ظلت النخبة تتناوب كرسي الحكم وكأنها لعبة للكراسي الموسيقية يلعب فيها القصر دور المايسترو و المحتل يلعب بالجميع... يفتح من حين لآخر طريق التفاوض و يلقي بعض المكاسب المنقوصة  ثم لا يلبث أن يغلقه و الشعب المطحون من الفقر و المرض و و تغول الإقطاع   يطالب بالحرية و رحيل المحتل يتفاعل مع المشهد العبثي و المرجل يغلي بداخله استعدادا لثورة حبلي علي وشك الانفجار كان  المرشح لأن يقودها الإخوان الذين كانوا القوة الأبرز إلا أن انقلاب عسكر يوليو 1952 استبقها وقد قيل في دوافعها الكثير لا مجال هنا للخوض فيه !!!
الرابعة (ثورة يوليو )
و كان من الممكن أن تكون الأخيرة التي تدفع بالبلاد نحو حكم ديموقراطي مبني علي مؤسسات توظف قدرات هذا الشعب العملاق فيما يعود عليه بالرخاء  و يضعه في المكانة اللائقة به إلا أن عبد الناصر ما لبث  أن  انقلب علي الإخوان و ضباطهم الذين ساندوه كما قام بتصفية رفاقه  و التخلص منهم واحدا بعد الآخر ليؤسس نظاما دكتاتوريا بوليسيا .... ثم يندفع في مغامرات استنزفت قدرات البلد الاقتصادية  و انتهت باستدراجه إلي فخ 67 و ينتهي نظامه بموته تاركا بلدا محتلا تدنسه أقدام اليهود علي الضفة الشرقية لقناة السويس و وقوع القدس و كل فلسطين تحت السيطرة الصهيونية و ضياع الحلم بوحدة عربية من المحيط إلي الخليج  إلا أن فشله الأكبر كان في تجريف الحياة السياسية و تفريغ الدولة من المؤسسات الديموقراطية  و أطلق أجهزة الأمن تتحكم في مفاصل الدولة مما سمح بتوارث الحكم باستخلاف السادات الذي فتح الانفتاح ليجهز علي مابقي من اشتراكية عبد الناصر ويبدأ عصر المِهلّباتية و السمسرة  ومن بعده ( التافه ) حسني مبارك الذي اتضح أنه لم يكن ليصلح أن يكون عمدة في قرية ناهيك عن رئيس لبلد في حجم مصر... مأساة سوداء انتهت  بثورة 25 يناير المجيدة  ..
هل سرق الإخوان الثورة ...؟!!
هذه أربع نماذج من ثورات مصرية انتهت بالانحراف عن تحقيق نهضة حقيقية للشعب بل و لا أبالغ إذا قلت أنه قد تم تحويل مسارها إلي الخلف در.. و قد تنوعت أساليب اختطافها ... و السؤال الآن ...أي من هذه النماذج اتبعه الإخوان لاختطاف ثورة 25 يناير ...هل بطريقة محمد علي القائد التركي  الذي هبط علي مصر بكتيبته الألبانية  واستغل وجود صراع علي السلطة بين المماليك و الوالي خورشيد باشا  فدخل في اللعبة راكبا موجة الثورة الشعبية ...أم نموذج عرابي الفلاح الذي قاد تمردا عسكريا تم تصفيته بتضافر كل عناصر الخيانة التي عملت لمصلحة الاحتلال البريطاني ...أم بثورة شعبية انحرف بها( الباشاولت لابسو الطرابيش ) من قادتها بدلا من الإصرار علي استكمال كفاحها حتي النصر  إلي مسار أفرغها من مضمونها عن طريق المفاوضات و ألعاب السياسة  أم بانقلاب عسكري فشل في إقامة مؤسسات مدنية يقرر من خلالها الشعب حكم نفسه بنفسه و فتحت نهايته المأساوية الطريق لحكم  مبارك  التعيس ... 
ثورة 25 يناير ثورة فريدة لا مثيل لها فيما سبقها من ثورات  حدثت في بيئة ثقافية أنضجتها سنولت من الكفاح و تجارب من المواجهات المتراكمة ضد الاستبداد فضحت الفساد الذي طال ضرره كل نواحي الحياة  فخرج معها كل الشعب علي هدف واحد.... و هي بذلك ثورة المصريين ساهموا فيها  جميعا كلٌ علي حسب.... إلا أن الشباب   تميزفيها  بعطاء غير محدود  و في القلب منهم ــ و بأداء فريد ــ جماعة الإخوان نساء و رجالا ...شبابا و شيبة  بل و أطفالا  و هي الجماعة التي ظلت لعشرات السنين صامدة ضد قوي البغي  لم تُسقط راية النضال طوال  تاريخها ...و هي جماعة من الشعب عاشت وسط الشعب و انتشرت بين كل فئاته ...و مع أول اقتراع اختارها شعب مصر ....اختار هويته و تاريخه و انتماءه ....حضارة وثقافة وتراثا رافضا و مُلحقا هزيمة ثقيلة بكل المرجعيات الدخيلة التي حاولت تغيير وجه مصر الإسلامية بجراحات فاشلة ....
فمن الذي يسرق الثورة؟؟
الذين أقصاهم الناس في المشهد الانتخابي بعد أن ملأوا الفضائيات ضجيجا  و استخدموا كل ما أفرزته تكنولوجيا الأبالسة  من التدليس و التلبيس بقليل من الحق مع طوفان من الباطل بغرض انتاج الفتن  و اللعب في دماغ الشباب المتحمس بغرض الوقيعة بينه و بين الإسلاميين  وهو ما أجادوا ممارسته  في السابق خدمة مدفوعة الثمن لعهد مبارك ... هذه النتوءات البشرية المتعالية في نفخة كدابة  تحارب معركتها اليائسة و لن تهدأ و لن تستسلم  وهي لا تملك إلا برنامجا  واحدا هو ( وضع العصاية في العجلة و خالف ُتعرف  ).... و هي التحدي الحقيقي الذي يواجه مشروع النهضة الذي يقوده الإخوان ....
ليس الإخوان هم  من سرق الثورة .... بل  هم  الذين حاولوا و فشلوا ــ حتي الآن ــ في خطف مسارها  بمختلف الألاعيب ....استخدموا أسلوب الحرباية في التلون ....  كل يوم بشعار لا يهم إن خالف ما قالوه بالامس و إذا تحقق مطلب رفعوا سقف مطلب آخر  فالكلام ليس عليه جمرك و العيار الذي لايصيب يدوش... حاولوا السطو علي الثورة بإصرارو بلا يأس   و ادعوا أنها ملكية خاصة مسجلة  بإسمهم رغم ما شهد به  ضدهم  ثلاثون مليون شاهد في عقد موثق وضعوه في صندوق شفاف أمام العالم كله و لا عزاء للمزورين !!!! 
 فإذا قال الفاشلون أن الإخوان سرقوا الثورة فإننا نقول لهم.... وهل يسرق الإنسان نفسه ؟؟؟

No comments:

Post a Comment