May 21, 2011

الثورة ... والجمل


تدين ثورة 25 يناير - في سحقها نظام مبارك - إلي صمودها و انتصارها في الموقعة المشهورة بموقعة الجمل ... و يبدو أنه مكتوب عليها أن تخوض موقعة جمل أخرى بطلها هذه المرة هو الدكتور يحيي الجمل ....
ولكن لنبدأ بموقعة الجمل الأولي الذي كان مقدرا لها أن تكون هجمة مرتدة ... هدفها أن يستعيد بعدها النظام سيطرته علي ميدان التحرير عقب خطاب مبارك ألذي أعلن فيه أنه لن يترشح مرة أخري ... و أنه قضي عمرا جنديا يدافع عن أرض الوطن ... و يريد أن يموت و يدفن في ثراها ... وكان من المفروض ـ بعد أن أحدث الخطاب أثره العاطفي ــ أن تبدأ مرحلة إبادة الثوار المعتصمين في عملية دموية يجري فيها تصفيتهم وفي القلب منهم عناصر الإخوان المسلمين ... أما بقية السيناريو الذي خطط له العادلي و رجاله من أمن الدولة و شارك فيه عز و صفوت الشريف و ذيولهم من الأتباع فقد كان من المقدر له أن يجري كما يلي :
عشرون جنيه و وجبة مع علبة عصير أو حاجة ساقعة لعدة آلاف في كل مدينة ... يطوفون شوارع مصر كلها يهتفون بالروح بالدم نفديك يا مبارك .... أهُـه أهُـه .... مِيّة مِيّة...هُوّ هو ...صاحب الضربة الجوية .... يا محني ديل العصفورة ( الهانم ) هي المنصورة .... نموت نموت و يحيا فلان ... و بالتزامن.... مانشتات الجرائد الخاصة و الحزبية قبل القومية ... القبض علي مثيري الفتنة ... خلية من حزب الله و إيران و حماس تقع في قبضة الأمن و في حوزتها أسلحة ومتفجرات و ملايين الدولارات ... الفنانون و الكومبارس و نجوم الكورة من في الملعب أو الجالسين علي الدكة و الحكام مصريين و أجانب و الدوري كله يستنكرون التطاول علي الأب ورمز مصر بطل الحرب و بطل السلام و الجمود و الاستقرار ... حملة إعلامية تلفزيونية جبارة تقودها كتائب الحِوارجية الحرّيفة بتوع حالة حوار و حوار من أجل الحوار و الرأي ( الغير ) آخر .... و في ماسبيرو و مدينة الإعلام و قنوات الكورة و السابعة و نصف مساء و العاشرة إلا ربع ظهرا ينصبون الخيمة و ... هات يا جخ ... هذا الشبل ابن ذاك الأسد ... عبقري عصره و فلتة زمانه مفجر ثورة الفكر الجديد ... و البلد الذي تتقدم بينا ... و من أجلك أنت الذي ليس هو أنت .... مع شوية مداخلات ... واحد من قرقيزيا تنطلق الكلمات من فمه بالقرقيزي و المترجم يلاحقه و هو يلهث عن مبارك الذي ألهمهم التقدم وعلمهم الحكمة ... واحد من أمريكا يثمن و يؤكد علي نعم الحليف الاستراتيجي ومِن غيره أمريكا تلوص و تغوص ... واحد من أفغانستان ــ و يعلق مقدم البرنامج هل أنت من أفغانستان أكيد ؟؟ ... من فضلك وطي صوت التلفزيون ــ فيرد في ثقة نعم ومن طالبان أيضا و لن نتوقف عن المقاومة إلا بعد رجوع مبارك و سقوط الثورة العميلة الممولة من إيران ــ واحد من بلدنا يبكي و ينهنه ومن خلال صوته المتهدج يناشده بأن يبقي ... نحن من غيرك يتامي يا بو علاء ... و من خلال دموعه يقول : لم يفعلها أحد قبلك يا حبيبنا ... لا تتنازل و تفتح هذا الباب المشئوم ... ملحوظة : طقم الحوارجية و مقدمو البرامج ينتقلون إلي أي استوديو و معهم فرقة متخصصة تتجمع في غرفة مجاورة لعمل المداخلات الساخنة يسمونهم القرعجية ... بعد هذا الطوفان من التلميع يقف مبارك أمام المرآة و خلفه حلاقه الخاص يصبغ له شعره و يحقن له وجهه لإزالة التجاعيد و يقول : ياه ...لقد كنت أبخس نفسي حقها عندما كنت أتجاهل كل هذه العبقرية و أتعامل مع الجميع في تواضع صحيح أنا ... أنا لا مثيل لي ... أنا كنت فين من زمان.... ثم يفجر قنبلته إلي شعب العظيم.... الشعب القائد و المعلم.... و يعلن عن المؤامرة الخسيسة التي تحاول فصل الروح عن الجسد و العقل عن الكيان في عملية إجرامية لخلعه من الحكم عن طريق مؤامرة إيرانية بالتواطؤ مع الجماعة المحظورة و قلة مندسة مغرر بها من الشباب الذين أثاروا الفوضى و ضربوا الاستقرار و السياحة .... و لكن ...
و بشهادة الشهود و بالدور المميز و الشجاع لشباب الإخوان و بمعاونة شباب الثورة و مساهمة كل من في الميدان من بنات و شيوخ كل بجهده و مؤازرته انهزمت جموع البلطجية و عناصر شرطة أمن الدولة .. و تم أسر العديد من البغال حيوانات كانوا أو رجال .... و يشاء العليم أن يكون هذا النصر نقطة تحول فارقة مكن الثوار من رفع سقف مطالبهم إلي حده الأعلي و هو السقوط الكامل للنظام ...
موقعة الجمل القادمة تختلف بأن قائدها من داخل المرحلة الانتقالية لا تستخدم فيها السيوف و السنج و زجاجات المولوتوف و إنما تستخدم فيها القوة الناعمة و المكر المهني و الموقع الوظيفي ...
قالت الأخبار أن الدكتور الجمل دعا إلي لجنة لوضع الدستور... طبعا الناس سألت عن وجود التفاف حول نتائج الاستفتاء وإجهاض لخطة المجلس الأعلى التي قامت علي أساس انتخابات برلمانية تسفر عن اختيار لجنة تأسيسية لوضع الدستور الدائم ... و كان علي اللجنة المكونة من كل أطياف الشعب .... قوي سياسية و مثقفين و نقابات و فنانين وكل من في آخره (... ـــين ) ... و بعدها يتم عرض ما توصلت إليه علي اللجنة التأسيسية المشكلة بعد الانتخابات ... قلنا أنه كلام مدهون بالزبدة ... فإذا ساحت الزبدة انكشف ما تحتها ... نسأل...
لماذا ؟؟؟
إذا كان الرأي النهائي سيكون لمن يختارهم نواب الشعب بعد شهور فلماذا هذا الحشد قبل الهنا بسنة ... و هل هذا يمثل أولوية لنائب رئيس حكومة تصارع فراغا أمنيا و قلاقل طائفية و فئوية و خراب اقتصادي ...وهل ما ستقوم به لجنة الجمل هو من باب الكيمياء التي تعجز أن تقوم به اللجنة التأسيسية المنصوص عليها مع الإعلان الدستوري... و إذا كان الاختيار النهائي سيكون لها ... فلماذا يُبذل جهد مشبوه قد يُرفض كله؟؟؟ ...
أشم رائحة شياط و سيناريو لفرض الأمر الواقع الذي ستختاره لجنة الجمل و التي تصورها الميديا التي تتحكم فيها العلمانية علي أنها تضم كل قوي الشعب السياسية و الاجتماعية مع أنها لا تمثل إلا أصحابها ... لا يخفي علي أحد أن الدستور ليس نصوصا صماء و إنما هو توجه يعكس رغبة الناس كلهم بلا تمييز في نظام حكم يحقق العدالة و الحرية و يوازن بين الحقوق و الواجبات ... ويلبي حاجات كل أهل مصر في الحفاظ علي تراثهم و حضارتهم و هويتهم و قيمهم التي خطفها منهم أصحاب الفكر المستورد طوال أكثر من خمسين عاما ... اتخذوا من شعب مصر حقلا لممارسة تجاربهم التي لم تسفر إلا عن الخراب و الفشل ... و أحشي أن تقوم لجنة الجمل بالمصادرة علي أي اجتهاد آخر أو بمعني أصح تفرمل أي توجه إسلامي أو تضع شروطا تعجيزية تسمح بالانقلاب علي الدستور في حالة وصولهم إلي الحكم عبر صناديق الانتخاب ...
لجنة الجمل بهذه المبادرة تضع نفسها في موقع من يريد وضع العصاية في العجلة ... خطورة لجنة الجمل أن غالبية المشاركين فيها لا يمثلون إلا 23% ممن قالوا (لا) في الاستفتاء الأخير ... وهي بهذه الصفة انقلاب علي الديموقراطية و تكريس لدكتاتورية الأقلية التي اعتمدها النظام البائد...
لا أريد أن أنكش في مواقف الدكتور الجمل وخاصة موقفه من المادة الثانية و الذي تراجع عنه تحت ضغط الرأي العام ... و لا أريد أن أعلق علي سيطرة العلمانيين و الشيوعيين علي مجلس حقوق الإنسان ... و لا أريد فتح كل الملفات !!! ... (الدكتور) الجمل يشبه نفسه بالصخرة التي ينطحها مهاجموه .... فهل هذا من نوع العناد الذي نال فيه مبارك الدكتوراه ... إنني من موقع القلق و التوجس ... أتمني...
أتمني أن تفشل لجنة الجمل كما فشل البلطجية في موقعة الجمل...
كما أتمني ألا يصبح الجمل رمزا للثورة المضادة بعد أن كان رمزا للحزب اللاوطنى اللاديموقراطي .. ( المحظور) !!!!
استر يا رب....

No comments:

Post a Comment