موسم شحن
البطاريات
المؤمن مثل السيارة لا تدور إلا إذا كانت بطاريتها سليمة
و مشحونة
المؤمن الذي فسدت بطارياته و (ملحت ) لا يستطيع أن يعيش
علي تسول ( زقة للنبي ) ...أو رجاء ( توصيلة ) من بطارية يجود بها متصدق إذا وجده اليوم فلن يجده غدا و.... قد
ينتهي به المطاف ــ إذا تعطلت مواتيره و كساها الصدأ و الران ــ أن يستبدل هويته الإيمانية بعضوية عاملة في
الحزب إياه ....
شحن بطاريات المؤمن مستمر إذا حافظ عليه و قد يسره ربنا بالمجان دعما إلهيا لكل من يسعي
إليه بالذكر الدائم وتصيد أوقات الصفاء
المشهودة ... قرآن الفجر و الصوم وركعات
في جوف الليل و استغفار في السحر... و السعي في الخير كما أن هناك عروضا سخية للشحن المميز في موسم رمضان و العشر الأواخر و العشر من ذي الحجة ...الخ....إلا أن شحن
البطاريات في الحج و العمرة يفوق كل ما سبق ... شحن سوبر يملأ الروح بكهربة عالية
الجهد تدفعها بعيدا في سماء السمو و الشوق
في المسجد النبوي أو المسجد الحرام عنما تضع جبهتك ساجدا لا تدري كم عدد الملايين
من الصالحين ممن لامست جبهتهم موضع سجودك
و يستفز كل خلايا جسدك شعورعارم بالنشوة
إذا تصورت أن من بين هؤلاء من قد يكون الصديق أبوبكر أو ابن الخطاب أو من الربيون
ممن حملوا الراية وصدقوا ما عاهدوا الله عليه
رضي الله عنهم و ستغيب عن كل ما حولك و تطير هائما محلقا فيما
لانهاية إذا ظننت أنك تسجد في موضع سجود خير البرية صلي الله عليه وسلم ...
أنظر إلي
البيت العتيق بمهابته و عظمته و دع التاريخ يعصر مخيلتك إلي الخلف مئات من
السنين ..... النبي صلي الله عليه و سلم ... شاب في الأربعين
من عمره مهيب الطلعة وضيء الوجه جالسا بالقرب من الكعبة المشرفة وحيدا طويل الفكر صامتا متواصل الأحزان فقد
كذبه قومه إلا من فئة مستضعفة آمنت
به .... يكاد الحزن أن يقتله غما ( فلعلك
بخع نفسك علي آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا.... الكهف 6 )... وهويري قومه
وعشيرته الأقربين و قد انحطت بهم أحلامهم إلي مستوي البهائم يسجدون للحجر و يخضعون
للكهانة يعيشون ظلام العقل و جهالة الروح
و يأخذ بزمامهم الشيطان يقودهم نحو الهلاك ...... قومه و عشيرته سادة العرب
و سدنة البيت العتيق و أولا د نبي الله إسماعيل ....يراهم و قد اهانوا إنسانيتهم
يشركون مع الله أصناما يصنعونها بأيديهم
لا تنفع ولا تضر... ينكرون البعث فلا حساب و لا عقاب ولا مسئولية .... (و قالوا ما
هي إلا حياتنا الدنيا نموت و نحيا و ما يهلكنا إلا الدهر و ما لهم بذلك من علم إن
هم إلا يظنون .... 24 الجاثية ) وحجتهم أنهم
يتبعون آباءهم فهم علي آثارهم مقتدون ( وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير
إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا علي أمة و إنا علي آثارهم مقتدون .... قال أولو جئتكم بأهدي مما وجدتم عليه آباءكم
قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون 23
,24الزخرف)
كذبوا
ولجوا في طغيانهم يعمهون .... و ضعوا أكنة علي قلوبهم و سدوا آذانهم و أغلقوا
عيونهم عن خير الدنيا و جوائزها و نعيم الآخرة و أبديتها وهو ما كان لابد أن يجري
تأكيدا لسنة الله مع رسله بأن يكذبهم قومهم و يؤذونهم و يسخرون منهم و يستهزءون
برسالتهم لم يكن لديه شك في استكبار قومه وتماديهم في عدم تصديقة فقد حذره ورقة بن نوفل بأنهم سيكذبونه و سيخرجوه لأنه لم يأت. أحد بمثل ماجاء به إلا
عودي وأوذى و حورب)... و بدأت النذر عندما نادي وهو علي في الصفاة قريشا قال لهم : أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا
الجبل أكنتم مصدقي فيقولون نعم ماجربنا عليك كذبا قط فيناديهم رهطا رهطا بالإسم
ويقول إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .... كلام الرسول و منطقه واضح بين ... رجل
عايشوه ( قل لو شاء الله ما تلوته عليكم و لا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من
قبله أفلا تعقلون ...يونس16 ) يعرفون صدقه و خلقه و حكمته علي خلق عظيم بلا نقيصة
عاش بينهم صبيا و شابا من أشرفهم نسبا و أكملهم خلقا صادقا أمينا يتجنب اللهوويصل الرحم ويحمل الكل
و يكسب المعدوم و يقري الضيف ويعين علي
نوائب الدهر ... الصادق الأمين ــ كما كان يسمونه ــ ينذرهم بخطر يدهمهم لا
فرق بين
خطرجيش خلف هذا الوادي يتأهب
لغزوهم ... و بين عذاب من الله أعظم ينتظرهم ...و كان من المنطقي أن يقولوا
لقد صدقناك فلا يمكن ان تجتمع كل هذه
الصفات وهذا السلوك الذي عهدناه منك إلا في نبي ... أو علي الأقل يؤمن به بعضهم و
يطلب بعضهم الآخر فرصة للتفكير .... إلا
أن المفاجأه جاءته من عمه
أبو لهب : ألهذا جمعتنا ... تبا لك سائر اليوم .
لقد كذبوه ... فهل كان من الممكن أن يختلف المشهد ..و
...أن يصدقوه ...لقد كان في قدرة الله أن يقذف بالهداية في قلوبهم إلا أن ذلك لا
يتفق مع سنته ــ تعالي ــ في خلقه من
البشر التي اقتضت أن يعيشوا في تدافع و
في صراع مستمر بين الحق و الباطل ....
يقدم الحق فيه تجربتة لنماذج من البشر يتجلي فيها نقاء و صفاء يقترب من خلق الملائكة ( وكأين من نبي قاتل معه
ربيون كثيرفما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله و ما ضعفوا وما استكانوا و الله يحب
الصابرين ....و ما كان قولهم إلا أن قالولوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا و إسرافنا في
أمرنا و ثبت أقدامنا و انصرنا علي القوم الكافرين
... آل عمران 146 , 147 )....
ويقدم الباطل نماذج أخري يتلبس بها
الشيطان فتصبح أشد فسادا و طغيانا من الأبالسة
( و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلي بعض زخرف
القول و لو شاء ربك ما فعله فذرهم وما يفترون ... الأنعام 112 )... و من خلال هذا
الدفع و الابتلاء يكون الفرز و تمييز
الخبيث من الطيب ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ
بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ
(251)﴾
(البقرة)،
كفار قريش كانوا يدركون معني لا إله إلا الله
... ليست عبارة ينطقونها و ... دمتم .....إنها
انقلاب .... عملية تفكيك للإنسان
الجاهلي من نظام وثني مشوه الفطرة
و الفكر يعيش فيه عبدا لشهوته خاضعا لسلطة
القبيلة ...تقاليدها و عصبيتها .... نظام عام يقوم علي العصبية و الاستعلاء
يعتمد السلب و النهب و تثور فيه الحروب عقودا من الزمن ...تفني فيها أجيال بسبب هجاء شاعر مهووس أو نزاع علي مرعي و بئر ماء .... لا إله إلا
الله كانت تعني له أن لا معبود و لا رب
إلا الله ولا خضوع إلا لشريعته و منهجهـه ... أوامر... و... نواهي ... ( قل إن
صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين ...لا شريك له وبذلك أمرت وأن أول
المسلمين ... ,163,162 الأنعام ) نظام
جديد سيحرمهم مركزا اقتصاديا متميزا و دخلا وفيرا يدره عليهم وضعهم
باعتبارنهم سدنة للبيت و ما يحويه
من أصنام و سينزع عنهم مكانة السيادة بل
و سيدفعم إلي الصدام مع قبائل العرب ..و
غاب عن إدراكهم القاصرأن النظام الجاهلي هو نظام آجل انتهي عمره الافتراضي و
سينهار لا محالة و أن نورا جديدا قد أشرق
ليعم العالم كله .... لذا كان كفرهم تخلفا
غبيا و عنيدا و كانت حربهم ضد الدين الجديد حربا هوجاء فاجرة ...
و إني لأشهد رسول الله ساجدا يصلي عند
الكعبة فيتقدم منه عقبة بن أبي معيط فيضع
سلا جزور علي ظهره الشريف ... و إني لأراه
صلي الله عليه و سلم و هو راجع من الطائف و خلفة السفهاء من غلمانها و صبيانها
يطاردونه قذفا بالحجارة حتي دميت قدماه الشريفتان... فيدعو ربه بهذا الدعاء الخالص...لا يدعوه إلا
نبي متصل بالله ... ( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي و قلة حيلتي وهواني علي الناس ....
يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين و أنت ربي ... إلي من تكلني ؟ إلي بعيد
يتجهمني أم إلي عدو ملكته أمري ... إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ... غير أن
عافيتك أوسع لي ... أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات و صلح عليه أمر الدنيا و
الآخرة من أن تنزل بي غضبك أو يحل بي سخطك ... لك العتبي حتي ترضي و لا حول ولا
قوة إلا بك ...) فيرسل الله له ملك الجبال يستأذنه أن يطبق عليهم الأخشبين ( جبلين
) فيرفض صلي الله عليه وسلم و يقول لعل
الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده .... اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون ... تصاعد
الإيذاء وتعددت أشكاله بالقول و رميه بالجنون و السحر و الكهانة و الشعر و بالحصارتجويعا و مقاطعة.... لا تعامل ولا زواج و لا تجارة
...طالت في الشعب ثلاث سنين كادت أن تقضي عليهم لولا لطف الله الذي قيض الله لها
من ينقضها من أشراف قريش ....كل ذلك و هو
صابر لم يهن و لم يتزحزح أمام وعيد أو إغراء فقد كان يثق في وعد الله بنصره....
نصرا يختلف عن نصر من سبقه من المرسلين
عندما أهلك عادا و ثمود و قوم لوط و أهل مدين و غيرهم فأبادهم ....نصر الله كان لا بد أن يتوافق مع الغاية من الرسالة الخاتمة المقدر لها أن تستمر و تدوم إلي قيام الساعة .... كان صلي
الله عليه و سلم يدرك بأن النصر لن يأتي بالهلاك ( وما كان الله ليعذبهم و أنت
فيهم .. الآية ..الأنفال 33
) .... بل
سيأتي في صورة التمكين و الغلبة
للمؤمنين ( وإن جندنا لهم الغالبون ...
الصافات 173) ....( سيهزم الجمع و يولون الدبر ...القمر 45 ) ... تنتصر كتيبة
الإيمان و يزول الشرك فيدخل الناس في دين
الله أفواجا و لأن سنة الله اقتضت ألا
ينال نصره إلامن هو أهل له لذا كان العذاب و الإيذاء و التشريد الذي يلقاه أصحابه
ابتلاء يصهر معدنهم ويشد من عزمهم و يرفع إيمانهم إلي مرتبة الرواد و القادة
المرشحون لحمل رسالة الهداية إلي الدنيا
كلها ... و هوما حدث و هي المعجزة الذي
اختص الله بها رسوله فليس هناك إعجاز أكبر
من أن يقوم رجل يأكل الطعام و يمشي في الأسواق و لا يملك سلطانا و لا ثروة ... رجل
فرد لا يملك إلا إيمانه بالله و في خلال سنوات قليله يفجر هذا الانقلاب الهائل في
بنية البشر و يرفعهم من أذلة مستضعفين في
أسفل السلم الاجتماعي إلي مكانة لايزال يذكرها التاريخ (و لكي تدرك حجم
المعجزة حاول أن تقنع مجموعة من البشر
برأي صائب ـ مجرد رأي ــ يخالف ما اعتادوا عليه
) ... إعجاز و معجزة في حد ذاتها
تدل علي صدق ومتانة هذا الدين و ارتكازه علي صنعة إلهية لا يأتيها الباطل من يديها
أو من خلفها... ثم .... كان أن حملته إلينا عبركل هذا القرون قلوب آمنت و أخلصت فحافظت علي الرسالة
يسلمها جيل بعد جيل حتي وصلتنا نقية من التحريف مبرأة من كل دس نافية كل خبث رغم كيد الأبالسة أعداء هذا الدين
الذين لم يخل منهم لا زمان ولا مكان و لا تركوا دسيسة إلا و استخدموها و كأنما هناك كابلات ممتدة أولها في عصر النبوة
وطرفها الثاني عندنا ــ و ليس آخرها ــ
تسري من خلالها كهرباء الإسلام فتنشر النور و تمد الأرواح بالطاقة ...
وانتقل بخيالك لتعيش لحظة النصرو الفتح المبين الذي لم
يشك النبي لحظة واحده في تحقيقه (إن الذي
فرض عليك القرآن لرادك إلي معاد
).... يد خل رسول الله مكه وسط كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار علي
خيولهم في سلاحهم و دروعهم لا يري منهم
إلا الحدق ومن حوله رايات القبائل المسلمة في جيش لم تر العرب مثله ...يدخل راكبا
ناقته خافضا رأسه في خشوع حتي إن ذقنه لتكاد أن يمس واسطة الرحل ... ثم
يطوف بالبيت و في يده قوس يطعن بها الأصنام فتتهاوي علي وجهها وهو يقول: جاء الحق
و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ... وما يبدئ الباطل وما يعيد ...ثم
....يقف القائد الفاتح المنتصر بباب الكعبة
و قريش تقف صفوفا تحت قدميه فقد آن لهم
ألا يسمعوا إلا صوته.... يسمعونه في سكون ورهبة
... فقال : لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده و هزم الأحزاب وحده...
ألا إن كل مأثرة و مال أو دم فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة البيت وسقاية الحاج
...يامعشر قريش ..إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء ....الناس
لآدم وآدم من تراب ( يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثي و جعلناكم شعوبا
وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ...)
أجال نظره فيهم ...ثم قال : يا معشر قريش ما تظنون أني
فاعل بكم ؟؟؟؟
الآن حانت الساعة ...
و لعلهم تذكروا ردهم عليه في أول جهره بالرسالة يوم ناداهم من فوق الصفاة فقال له عمه أبو
لهب حينئذ (تبا لك ...)
أما و قد تمكن منهم فليس اليوم كالأمس ...يردون في
انكسار.... قالوا : خيرا أخ كريم و ابن أخ كريم ...
فينطلق صوت الرحمة المهداه
فإني أقول لكم كما قا ل يوسف لإخوته لا تثريب عليكم
اليوم ...اذهبوا فأنتم الطلقاء
صلي الله عليك يا سيدي يا رسول الله و اعتذر إليك عما
أصاب أمتنا من عجز وهوان و هي تحمل أسماء السلف العظام و بين يديها تراث لا ينفذ
من العزة و المجد
واعتذار خاص ــ كله ألم و وجيعة ــ عن كل من يخون اسم
محمد الذي يتسمي به...
No comments:
Post a Comment