و...أيضا
للدساتير ترزية
بقلم : م. محمد أنور رياض
المشهد الآن غاية في الغرابة ...
سؤال ...هل كان يخطر ببال كل من خرج ثائرا يوم 25 وما بعده حالما ومناديا بالحرية و بأن يسترد الشعب حريته من نظام مستبد و أن يصنع مستقبله بيده ... يختار حكامه ...يحاسبهم ... يعزلهم ...ليصبح الشعب هو سيد قراره ... هل كان في تصور أحد أن يصبح الصوت العالي الآن هو المنادي بتهميش رأي الشعب و تحجيم أرادته ؟؟؟ ....
هل كان في تصور أحد أن تفرز الثورة ترزية للدساتير علي غرار ترزية نظام مبارك للقوانين ...؟؟
هل كان في خيال أحد أن يوضع فتحي سرور في السجن و قبل أن يحول إلي المحاكمة يظهر لنا ألف فتحي سرور يريدون لنا دستورا أو مواد حاكمة شانقة خانقة متحكمة توضع أمام لجنة المائة المنتخبة انتخابا تعيينيا اختياريا و يقال لها أننا نعيش ديموقراطية مصرية فريدة سينبهر لها العالم كما انبهر بثورته تقتضي منكم الاختيار إما بالموافقة أو الموافقة .... يعني تبصموا بالعشرة عليها ليصبح دستور ثورة مصر هو الوحيد في العالم و التاريخ الموقع بعشرة آلاف بصمة و ليكون امتدادا لديموقراطية و حرية و شفافية ونزاهة أحمد عز ... ثم .... كل واحد للخلف در ... و من حيث أتيتم... سعيكم مشكور .
ماذا يريدون ؟؟؟
بمنتهي البساطة الجماعة متأكدون ألف في المائة أنهم ذاهبون في " الباي باي " بعد الانتخابات و أن صندوقها بداية طريق يقودهم إلي الظل و النسيان ... الجماعة يائسون من ( اسمها إيه الديموقراطية ) ومن كلمة الشعب و اختيار من ينوبون عنه في رسم مستقبل حياته... هم يدركون في مرارة أنهم فشلوا في اكتساب ثقته بل وكلما اقتربوا منه ازداد بعدا عنهم ــ ربما ــ نفورا من رائحة ( البارفان الغربي ) الذي يفوح من ثيابهم .
عندما يقولون أنهم يرفضون ويخافون من الدولة الدينية دون أن يكون في الإسلام شيئ اسمه الدولة الدينية و عندما يصاحب هذا الرفض نبرة من التشنج و الإصرار تسمعه لحنا واحدا تعزفه جوقة ممن أطلقوا علي أنفسهم ألقاب " النخبة و المحللين و الناشطين و الثوار " دون تفسير واضح ومحدد عن سبب اشمئناطهم , فإن لنا الحق أن نقول أنه لديهم مشكلة مع الدين ذاته ... بعضهم يقولها علانية و البعض الآخر يتوارى خلف رفض كيان هلامي لا وجود له ( يقول أحمد عبد المعطي حجازي معترضا علي وثيقة الأزهر) الأهرام 6/7/ 2011 : نعلن رفضنا بكل وضوح لأن علاقة الدين بالدولة لا يجيب عنها المفتي و لا يُحتكم فيه للحلال و الحرام و إنما يجيب عنها العقل ... و بوسع الأزهر أن يشرح العقائد و يدعو للقيم لكن عليه أن يترك للمصريين الحرية في تجسيد هذه القيم و العمل بها )...
يثيرون الزوابع بينما لم يطرح عليهم أحد بل و لا يستطيع فصيل مهما كان حجمه أن يفرض شكل للدولة مختلف عن الدولة الديموقراطية بشكلها الحديث ولا قواعدها و لا مؤسساتها وهي أمور توافق عليها الجميع بأنها دولة مؤسسات يديرها رجال يجري عليهم ما يجري علي البشر من الخطأ و الصواب و وفق نظم الإدارة الحديثة تحت رقابة صارمة من نواب الأمة و إعلامها وفي ظل من الحرية والعدالة و الفرص المتساوية للجميع.... تتعامل و تعيش في عالم من دول شتي و قوي عالمية تتبلور فيه سياسات أممية تتوافق و تتعارض ولكن مؤسساته الدولية تتفق علي نبذ حكم الشعوب بالقهر و القوة الغاشمة ... عالم تتشابك مصالحه و تجري حركته التجارية و الاقتصادية بما يتماشى مع حركة الزمن الذي يعمل عمل " اللودر " فيكسح أمامه دكتاتوريات طال بها الأمد و يسوقها إلي مزابل التاريخ ... الجماعة هدفهم الذي يلفون ويدورون حنجلة و شقابة حوله هو أن يؤصل الدستور لدولة علمانية يحاصر الدين داخل المسجد و تكون فيه المادة الثانية التي تتحدث عن الشريعة مادة بلا فاعلية ولا أنياب حشو كلام ( حاجة كده مثل ضيف الشرف ) ... و أخطر ما في ألاعيبهم هو محاولة توريط القوات المسلحة في مستنقع السياسة لحماية توجهاتهم... و الستار الذي يختفون حوله هو عبارة الدولة المدنية مع أنها عبارة لا تحقق هدفهم و أترك للدكتور معتز بالله عبد الفتاح للتوضيح :
فرق الدكتور عبدالوهاب المسيرى بين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية. ولو كان حيا بيننا لربما أعاد توصيف ما أسماه العلمانية الجزئية لتصبح ما يعنيه البعض اليوم باسم «المدنية» ودون الدخول فى تفاصيل معنى المدنية كما هو معروف فى دول ومجتمعات أخرى، فإن المدنى هو غير السياسى ( المعني الأول ) كقولنا مجتمع «مدنى» أى يهدف إلى خدمة المجتمع دون السعى إلى الوصول إلى السلطة أو التأثر بتحيزاتها مثل منظمة توعوية تهدف إلى تحقيق الصالح العام دون أن تتبع حزبا أو الدولة أو ( المعني الثاني )أى «غير الدينى» (وليس المضاد للدين) أى الذى يحاول تحقيق أهداف إنسانية عامة بغض النظر عن الاختلافات الطائفية أو الدينية أو المدنى ( المعني الثالث ) أى غير العسكرى، الذى يحاول أن يجنب المجتمع القرارات السلطوية والتسلطية القادمة من العسكر.
وهى ترجمات لثلاث كلمات بالانجليزية هى:3 civil، civic 1 and civilian 2.
أما العلمانية فهى أعقد كثيرا من التوصيف «مدنى» لأن العلمانية حل لمشكلة مزمنة عاشها الغرب، ولم يعشها المسلمون، وإن كانوا عاشوا تجربة فيها بعض ملامح التجربة الغربية بسبب خروج المسلمين على المنهج وليس لعيب فى المنهج، وإن لم يستدع هذا بالضرورة استنستاخ الحل الأوروبى.
●●●
المشكلة الغربية أن بابوات الكنيسة الكاثوليكية (مثل اربان الثانى، وجريجورى السابع، وانوسنت الثالث) أصدروا أحكاما دينية جعلت حقوق البشر رهنا بقرارات كنسية فى كل أمور الحياة. ومن المؤشرات التى اعتمد عليها الباحثون الغربيون لمعرفة ازدهار أو انحسار حكم الكهنوت (أى حكم الكنيسة) كانت ثلاثة مؤشرات: أولا، هل للكنيسة جيش خاص بها موازٍ أو بديل عن جيش المملكة (الدولة)؟ ثانيا، هل الكنيسة هى التى تسيطر على نظام التقاضى بدءا من وضع القوانين انتهاء بإصدار الأحكام النهائية بين المتخاصمين؟ ثالثا، هل الكنيسة تقوم بفرض ضرائب مستقلة أو بديلة عن الضرائب التى تفرضها المملكة (الدولة)؟
معظم دول أوروبا شهدت هذه السيطرة المهولة للكنيسة، لكن نجحت انجلترا تحديدا فى أن تتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية فى روما. ولكن مع ظهور البروتستانتية فى القرن السادس عشر، ثم الحروب الدينية فى القرن السابع عشر والتى مات بسببها الملايين، تنبه العقل الأوروبى إلى خطر خلط السياسة بالدين على مستويين: مستوى الحروب التى يضيع ضحيتها الآلاف وربما الملايين بسبب قرار من أحد آباء الكنيسة، ومستوى غياب الحريات السياسية وعلى رأسها الحقوق الديمقراطية (حق الأغلبية فى ألا تسمح للأقلية أن تستبد بها)، والحقوق الليبرالية (حق الآخرين، أغلبية أو أقلية، فى ألا تكون حقوقها رهنا بموافقة الأغلبية أو الطبقة المسيطرة اقتصاديا) وما كان لهذه الحقوق أن تمارس على الأرض إلا إذا قبلت الدولة بفكرة «المدنية» كما وردت فى هذا المقال.
أزعم أن مجتمعات المسلمين فى بعض مراحلها شهدت نوعين من الاستبداد السابق، ولم تشهد الثالث (أى استبداد المسجد أو علماء الدين). ذلك أن المسجد أصلا لم يكن تنظيما هيراركيا تراتبيا فى أى مرحلة (مثلما هو الحال بالنسبة للكنيسة)، المسجد فى الإسلام مجرد بناية أو زاوية، بل جُعلت الأرض كلها مسجدا للمسلمين، ومن حق المسلم السنى أن يتخير الفتوى التى يطمئن لها اجتهاده أو فهمه.
أزعم، إذن، أن المسلمين بحاجة للديمقراطية كى تضمن كف بطش الأقلية الحاكمة عن الأغلبية المحكومة من خلال الآليات المتعارف عليها من انتخابات حرة نزيهة دورية تنافسية تحت إشراف قضائى، ورقابة المجتمع المدنى، ومشاهدة المجتمع الدولى (وهذا هو اختراع الديمقراطية). واحتياج المسلمين للديمقراطية ليس لعيب فى الإسلام، ولكن لأن بعض المسلمين لا يرتقون لتعاليم الإسلام، وهذا بدأ منذ عهد الدولة الأموية.
أزعم كذلك أن المسلمين بحاجة لـ«المدنية» أو سمها ضمان حقوق إنسانية مشتركة بغض النظر عن الاختلافات السياسية والدينية وبعيدا عن السيطرة العسكرية على الحياة السياسية.
●●●
وبنفس المعنى، بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية».
إن صح هذا، فنحن لسنا بحاجة للعلمانية، وإن كنا قطعا بحاجة للديمقراطية والمدنية بالمعنى الوارد فى هذا المقال. والله أعلم.
وهى ترجمات لثلاث كلمات بالانجليزية هى:3 civil، civic 1 and civilian 2.
أما العلمانية فهى أعقد كثيرا من التوصيف «مدنى» لأن العلمانية حل لمشكلة مزمنة عاشها الغرب، ولم يعشها المسلمون، وإن كانوا عاشوا تجربة فيها بعض ملامح التجربة الغربية بسبب خروج المسلمين على المنهج وليس لعيب فى المنهج، وإن لم يستدع هذا بالضرورة استنستاخ الحل الأوروبى.
●●●
المشكلة الغربية أن بابوات الكنيسة الكاثوليكية (مثل اربان الثانى، وجريجورى السابع، وانوسنت الثالث) أصدروا أحكاما دينية جعلت حقوق البشر رهنا بقرارات كنسية فى كل أمور الحياة. ومن المؤشرات التى اعتمد عليها الباحثون الغربيون لمعرفة ازدهار أو انحسار حكم الكهنوت (أى حكم الكنيسة) كانت ثلاثة مؤشرات: أولا، هل للكنيسة جيش خاص بها موازٍ أو بديل عن جيش المملكة (الدولة)؟ ثانيا، هل الكنيسة هى التى تسيطر على نظام التقاضى بدءا من وضع القوانين انتهاء بإصدار الأحكام النهائية بين المتخاصمين؟ ثالثا، هل الكنيسة تقوم بفرض ضرائب مستقلة أو بديلة عن الضرائب التى تفرضها المملكة (الدولة)؟
معظم دول أوروبا شهدت هذه السيطرة المهولة للكنيسة، لكن نجحت انجلترا تحديدا فى أن تتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية فى روما. ولكن مع ظهور البروتستانتية فى القرن السادس عشر، ثم الحروب الدينية فى القرن السابع عشر والتى مات بسببها الملايين، تنبه العقل الأوروبى إلى خطر خلط السياسة بالدين على مستويين: مستوى الحروب التى يضيع ضحيتها الآلاف وربما الملايين بسبب قرار من أحد آباء الكنيسة، ومستوى غياب الحريات السياسية وعلى رأسها الحقوق الديمقراطية (حق الأغلبية فى ألا تسمح للأقلية أن تستبد بها)، والحقوق الليبرالية (حق الآخرين، أغلبية أو أقلية، فى ألا تكون حقوقها رهنا بموافقة الأغلبية أو الطبقة المسيطرة اقتصاديا) وما كان لهذه الحقوق أن تمارس على الأرض إلا إذا قبلت الدولة بفكرة «المدنية» كما وردت فى هذا المقال.
أزعم أن مجتمعات المسلمين فى بعض مراحلها شهدت نوعين من الاستبداد السابق، ولم تشهد الثالث (أى استبداد المسجد أو علماء الدين). ذلك أن المسجد أصلا لم يكن تنظيما هيراركيا تراتبيا فى أى مرحلة (مثلما هو الحال بالنسبة للكنيسة)، المسجد فى الإسلام مجرد بناية أو زاوية، بل جُعلت الأرض كلها مسجدا للمسلمين، ومن حق المسلم السنى أن يتخير الفتوى التى يطمئن لها اجتهاده أو فهمه.
أزعم، إذن، أن المسلمين بحاجة للديمقراطية كى تضمن كف بطش الأقلية الحاكمة عن الأغلبية المحكومة من خلال الآليات المتعارف عليها من انتخابات حرة نزيهة دورية تنافسية تحت إشراف قضائى، ورقابة المجتمع المدنى، ومشاهدة المجتمع الدولى (وهذا هو اختراع الديمقراطية). واحتياج المسلمين للديمقراطية ليس لعيب فى الإسلام، ولكن لأن بعض المسلمين لا يرتقون لتعاليم الإسلام، وهذا بدأ منذ عهد الدولة الأموية.
أزعم كذلك أن المسلمين بحاجة لـ«المدنية» أو سمها ضمان حقوق إنسانية مشتركة بغض النظر عن الاختلافات السياسية والدينية وبعيدا عن السيطرة العسكرية على الحياة السياسية.
●●●
وبنفس المعنى، بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية».
إن صح هذا، فنحن لسنا بحاجة للعلمانية، وإن كنا قطعا بحاجة للديمقراطية والمدنية بالمعنى الوارد فى هذا المقال. والله أعلم.
فهل يوافقون ــ مع أن رأيهم لا قيمة له بلا استفتاء ــ علي هذا التفسير الأكاديمي أم أن ترزية الدساتير سيخرجون من جراب الحاوي اصطلاحا آخر لا معني له يقول<< إذا لم تعجبكم الدولة المدنية خلاص نخليها دولة ( قروية ) >>
لو قرأوا الواقع جيدا لأدركوا أن زمن السلبية قد ولي بلا عودة وشعب مصر خرج من قمقم السلطة و إرهابها ولا سبيل إلي دسترته أو حكمه إلا برضاه وبعقد محدد المعالم واضح الشروط ...و هو يدرك أن قواته المسلحة هي منه و قد رفضت في السابق و لا يوجد ما يمنعها مستقبلا من أن تُستدرج لتقف ضد إرادته التي تفرزها صناديق الاقتراع ....
وأراهن أن أحدا لن يستطيع محو ذاكرة هذا الشعب المتدين أو قطعه عن تراثه أو وضعه في ثياب يفصلها ترزية تعلموا ( مهنة الخياطة ) في (بلاد بره) ..
و حتي هذه الصنعة فشلوا في اتقانها !!!