August 30, 2011




و...أيضا

 للدساتير ترزية

بقلم : م. محمد أنور رياض

المشهد الآن غاية في الغرابة ...

سؤال ...هل كان يخطر ببال كل من خرج ثائرا يوم 25 وما بعده حالما ومناديا بالحرية و بأن يسترد الشعب حريته من نظام مستبد و أن يصنع مستقبله بيده ... يختار حكامه ...يحاسبهم ... يعزلهم ...ليصبح الشعب هو سيد قراره ... هل كان في تصور أحد أن يصبح الصوت العالي الآن هو المنادي بتهميش رأي الشعب و تحجيم أرادته ؟؟؟ ....

هل كان في تصور أحد أن تفرز الثورة ترزية للدساتير علي غرار ترزية نظام مبارك للقوانين ...؟؟

هل كان في خيال أحد أن يوضع فتحي سرور في السجن و قبل أن يحول إلي المحاكمة يظهر لنا ألف فتحي سرور يريدون لنا دستورا أو مواد حاكمة شانقة خانقة متحكمة توضع أمام لجنة المائة المنتخبة انتخابا تعيينيا اختياريا   و يقال لها أننا نعيش ديموقراطية مصرية فريدة سينبهر لها العالم كما انبهر بثورته تقتضي منكم الاختيار إما بالموافقة أو الموافقة .... يعني تبصموا بالعشرة عليها ليصبح دستور ثورة مصر هو الوحيد في العالم و التاريخ الموقع بعشرة آلاف بصمة و ليكون امتدادا لديموقراطية و حرية و شفافية ونزاهة أحمد عز ... ثم .... كل واحد للخلف در ... و من حيث أتيتم... سعيكم مشكور .

ماذا يريدون ؟؟؟

بمنتهي البساطة الجماعة متأكدون ألف في المائة أنهم ذاهبون في " الباي باي " بعد الانتخابات و أن صندوقها بداية طريق يقودهم إلي الظل و النسيان ... الجماعة يائسون من ( اسمها إيه الديموقراطية ) ومن كلمة الشعب و اختيار من ينوبون عنه في رسم مستقبل حياته... هم يدركون في مرارة أنهم فشلوا في اكتساب ثقته بل وكلما اقتربوا منه ازداد بعدا عنهم ــ ربما ــ نفورا من رائحة ( البارفان الغربي ) الذي يفوح من ثيابهم .

عندما يقولون أنهم يرفضون ويخافون من الدولة الدينية دون أن يكون في الإسلام شيئ اسمه الدولة الدينية و عندما يصاحب هذا الرفض نبرة من التشنج و الإصرار تسمعه لحنا واحدا تعزفه جوقة ممن أطلقوا علي أنفسهم ألقاب " النخبة و المحللين و الناشطين و الثوار " دون تفسير واضح ومحدد عن سبب اشمئناطهم , فإن لنا الحق أن نقول أنه لديهم مشكلة مع الدين ذاته ... بعضهم يقولها علانية و البعض الآخر يتوارى خلف رفض كيان هلامي لا وجود له ( يقول أحمد عبد المعطي حجازي معترضا علي وثيقة الأزهر) الأهرام 6/7/ 2011 : نعلن رفضنا بكل وضوح لأن علاقة الدين بالدولة لا يجيب عنها المفتي و لا يُحتكم فيه للحلال و الحرام و إنما يجيب عنها العقل ... و بوسع الأزهر أن يشرح العقائد و يدعو للقيم لكن عليه أن يترك للمصريين الحرية في تجسيد هذه القيم و العمل بها )...

يثيرون الزوابع بينما لم يطرح عليهم أحد بل و لا يستطيع فصيل مهما كان حجمه أن يفرض شكل للدولة مختلف عن الدولة الديموقراطية بشكلها الحديث ولا قواعدها و لا مؤسساتها وهي أمور توافق عليها الجميع بأنها دولة مؤسسات يديرها رجال يجري عليهم ما يجري علي البشر من الخطأ و الصواب و وفق نظم الإدارة الحديثة تحت رقابة صارمة من نواب الأمة و إعلامها وفي ظل من الحرية والعدالة و الفرص المتساوية للجميع.... تتعامل و تعيش في عالم من دول شتي و قوي عالمية  تتبلور فيه سياسات أممية تتوافق و تتعارض ولكن  مؤسساته الدولية تتفق علي نبذ حكم الشعوب بالقهر و القوة الغاشمة ... عالم تتشابك مصالحه و تجري حركته التجارية و الاقتصادية بما يتماشى مع حركة الزمن الذي يعمل عمل " اللودر " فيكسح أمامه دكتاتوريات طال بها الأمد و يسوقها إلي مزابل التاريخ ... الجماعة هدفهم الذي يلفون ويدورون حنجلة و شقابة  حوله هو أن يؤصل الدستور لدولة علمانية يحاصر  الدين داخل المسجد و  تكون فيه المادة الثانية التي تتحدث عن الشريعة مادة بلا فاعلية ولا أنياب حشو كلام  ( حاجة كده مثل ضيف الشرف ) ... و أخطر ما في ألاعيبهم  هو محاولة توريط القوات المسلحة في مستنقع السياسة لحماية توجهاتهم... و الستار الذي يختفون حوله هو عبارة الدولة المدنية مع أنها عبارة لا تحقق هدفهم  و أترك للدكتور معتز بالله عبد الفتاح  للتوضيح :

 فرق الدكتور عبدالوهاب المسيرى بين العلمانية الشاملة والعلمانية الجزئية. ولو كان حيا بيننا لربما أعاد توصيف ما أسماه العلمانية الجزئية لتصبح ما يعنيه البعض اليوم باسم «المدنية» ودون الدخول فى تفاصيل معنى المدنية كما هو معروف فى دول ومجتمعات أخرى، فإن المدنى هو غير السياسى ( المعني الأول ) كقولنا مجتمع «مدنى» أى يهدف إلى خدمة المجتمع دون السعى إلى الوصول إلى السلطة أو التأثر بتحيزاتها مثل منظمة توعوية تهدف إلى تحقيق الصالح العام دون أن تتبع حزبا أو الدولة  أو ( المعني الثاني )أى «غير الدينى» (وليس المضاد للدين) أى الذى يحاول تحقيق أهداف إنسانية عامة بغض النظر عن الاختلافات الطائفية أو الدينية أو المدنى ( المعني الثالث ) أى غير العسكرى، الذى يحاول أن يجنب المجتمع القرارات السلطوية والتسلطية القادمة من العسكر.

وهى ترجمات لثلاث كلمات بالانجليزية هى:
3 civil، civic 1 and civilian 2.
أما العلمانية فهى أعقد كثيرا من التوصيف «مدنى» لأن العلمانية حل لمشكلة مزمنة عاشها الغرب، ولم يعشها المسلمون، وإن كانوا عاشوا تجربة فيها بعض ملامح التجربة الغربية بسبب خروج المسلمين على المنهج وليس لعيب فى المنهج، وإن لم يستدع هذا بالضرورة استنستاخ الحل الأوروبى.

●●●

المشكلة الغربية أن بابوات الكنيسة الكاثوليكية (مثل اربان الثانى، وجريجورى السابع، وانوسنت الثالث) أصدروا أحكاما دينية جعلت حقوق البشر رهنا بقرارات كنسية فى كل أمور الحياة. ومن المؤشرات التى اعتمد عليها الباحثون الغربيون لمعرفة ازدهار أو انحسار حكم الكهنوت (أى حكم الكنيسة) كانت ثلاثة مؤشرات: أولا، هل للكنيسة جيش خاص بها موازٍ أو بديل عن جيش المملكة (الدولة)؟ ثانيا، هل الكنيسة هى التى تسيطر على نظام التقاضى بدءا من وضع القوانين انتهاء بإصدار الأحكام النهائية بين المتخاصمين؟ ثالثا، هل الكنيسة تقوم بفرض ضرائب مستقلة أو بديلة عن الضرائب التى تفرضها المملكة (الدولة)؟

معظم دول أوروبا شهدت هذه السيطرة المهولة للكنيسة، لكن نجحت انجلترا تحديدا فى أن تتخلص من سيطرة الكنيسة الكاثوليكية فى روما. ولكن مع ظهور البروتستانتية فى القرن السادس عشر، ثم الحروب الدينية فى القرن السابع عشر والتى مات بسببها الملايين، تنبه العقل الأوروبى إلى خطر خلط السياسة بالدين على مستويين: مستوى الحروب التى يضيع ضحيتها الآلاف وربما الملايين بسبب قرار من أحد آباء الكنيسة، ومستوى غياب الحريات السياسية وعلى رأسها الحقوق الديمقراطية (حق الأغلبية فى ألا تسمح للأقلية أن تستبد بها)، والحقوق الليبرالية (حق الآخرين، أغلبية أو أقلية، فى ألا تكون حقوقها رهنا بموافقة الأغلبية أو الطبقة المسيطرة اقتصاديا) وما كان لهذه الحقوق أن تمارس على الأرض إلا إذا قبلت الدولة بفكرة «المدنية» كما وردت فى هذا المقال.

أزعم أن مجتمعات المسلمين فى بعض مراحلها شهدت نوعين من الاستبداد السابق، ولم تشهد الثالث (أى استبداد المسجد أو علماء الدين). ذلك أن المسجد أصلا لم يكن تنظيما هيراركيا تراتبيا فى أى مرحلة (مثلما هو الحال بالنسبة للكنيسة)، المسجد فى الإسلام مجرد بناية أو زاوية، بل جُعلت الأرض كلها مسجدا للمسلمين، ومن حق المسلم السنى أن يتخير الفتوى التى يطمئن لها اجتهاده أو فهمه.

أزعم، إذن، أن المسلمين بحاجة للديمقراطية كى تضمن كف بطش الأقلية الحاكمة عن الأغلبية المحكومة من خلال الآليات المتعارف عليها من انتخابات حرة نزيهة دورية تنافسية تحت إشراف قضائى، ورقابة المجتمع المدنى، ومشاهدة المجتمع الدولى (وهذا هو اختراع الديمقراطية). واحتياج المسلمين للديمقراطية ليس لعيب فى الإسلام، ولكن لأن بعض المسلمين لا يرتقون لتعاليم الإسلام، وهذا بدأ منذ عهد الدولة الأموية.

أزعم كذلك أن المسلمين بحاجة لـ«المدنية» أو سمها ضمان حقوق إنسانية مشتركة بغض النظر عن الاختلافات السياسية والدينية وبعيدا عن السيطرة العسكرية على الحياة السياسية.

●●●

وبنفس المعنى، بكل ديمقراطية، نقبل، نحن المصريين، أن نضع قيودا على الديمقراطية بألا يصدر البرلمان أو رئيس الجمهورية أى قانون أو قرار يصطدم مع ما هو قطعى الثبوت قطعى الدلالة مع مبادئ الشريعة الإسلامية على اتساع «مذاهبها الفقهية».



إن صح هذا، فنحن لسنا بحاجة للعلمانية، وإن كنا قطعا بحاجة للديمقراطية والمدنية بالمعنى الوارد فى هذا المقال. والله أعلم.

فهل يوافقون  ــ مع أن رأيهم لا قيمة له بلا استفتاء ــ علي هذا التفسير الأكاديمي  أم أن ترزية الدساتير  سيخرجون من جراب الحاوي اصطلاحا آخر  لا معني له يقول<< إذا لم تعجبكم الدولة المدنية خلاص نخليها  دولة ( قروية  ) >>    

  

لو قرأوا الواقع جيدا لأدركوا أن زمن السلبية قد ولي بلا عودة وشعب مصر خرج من قمقم السلطة و إرهابها ولا سبيل إلي دسترته أو حكمه إلا برضاه وبعقد محدد المعالم واضح الشروط ...و هو يدرك أن قواته المسلحة هي منه و قد رفضت في السابق و لا يوجد ما يمنعها مستقبلا من أن  تُستدرج لتقف ضد إرادته التي تفرزها صناديق الاقتراع   ....

وأراهن أن أحدا لن يستطيع محو ذاكرة هذا الشعب المتدين  أو قطعه عن تراثه أو وضعه في ثياب يفصلها ترزية تعلموا ( مهنة الخياطة ) في (بلاد بره) ..

و حتي هذه الصنعة فشلوا في اتقانها !!!

August 6, 2011

أفندم

لم تهتز مشاعري عندما رأيت حسني مبارك علي النقالة داخل القفص الحديدي و بجواره ولداه يحاولان حجبه عن أعين الكاميرا .. و لم أشعر بأي إثارة و أنا أري العادلي في بدلة السجن الزرقاء جالسا و خلفه ــ لأن السجن أيضا مقامات ــ اللواءات من أركان وزارته سفاحو الداخلية ... فقط تذكرت الحلم الذي شاهدته منذ شهور قبل قيام الثورة ... حينها رأيت حسني مبارك علي هيئة تمثال من الجبس يتساقط عضوا عضوا ... كنت أدري أن الأحلام قد تتحقق بعد سنين كما حدث مع نبي الله يوسف في نهاية قصته عندما رفع أبويه علي العرش و خروا له سجدا و قال يا أبتى هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا .... إلا أن السميع العليم أبي إلا أن يحققها بأسرع مما تمنيت عندما تهاوي حكم مبارك التعيس تنازلا وراء تنازل أمام إصرار الثوار المعتصمين بميدان التحرير علي مدار 18 يوما ... وكانت تلك الأيام بمثابة محاكمة شاملة لكل جرائمه التي ارتكبها في حق الشعب ... لقد طال النقد و التقطيع لكل من سبقه من الرؤساء جمال عبد الناصر و أنور السادات و لكن ذلك لم يتم إلا بعد رحيلهما إلا أنه و لأول مرة و بالمواجهـة يسمع و يري فيها رئيس مخلوع ما يقوله التاريخ عنه في حياته ... يراه رأي العين و يسمعه ثاقبا أذنيه بل و يسجنه و يسوقه محبوسا رهن القصاص أمام العدالة ... لقد صدر حكم الشعب علي حسني مبارك و أركان نظامه في ميدان التحرير بالإعدام سياسيا و لم يتبق منهم إلا جثثا في انتظار حكم المستشار أحمد رفعت لمواراتها إما في الجبانات أو أقبية السجون ...
المشهد الوحيد الذي أثارني في محكمة أكاديمية الشرطة هو عندما نادي القاضي علي المتهم حسني مبارك فرفع يده صائحا ( أفندم ) و كأنه ( دفعة تجنيد ) في طابور للعرض ... فهل كان حسني مبارك أو أي واحد في العالم يتوقع أن تكون هذه هي نهاية رئيس حاز من السلطات ما لم يتمتع به فراعنة مصر القديمة ...
العبرة والعظة دفعتني أن أسأل هل كان يمكن أن تكون نهاية حسني مبارك أفضل ؟؟؟
كان أمل حسني مبارك و أقصي ما يتمناه هو أن يقضي تقاعدا مريحا في أي سفارة أوروبية سعيدا بما حققه من خدمة في القوات المسلحة انتهت به إلي قيادة سلاح الطيران في نصر أكتوبر إلا أن المقادير و حرص السادات علي اختيار نائب له ( خام ... أبيض) لم تلعب السياسة برأسه يسهل تشكيله و تحريكه و عند اللزوم و بعد استهلاكه يقلبه ... إلا أن القدر كان له رأي آخر فكان المقلب ليس من نصيب السادات وحده و إنما نالت منه مصر النصيب الأكبر ... كان حادث المنصة عملية اغتيال فردية للسادات صاحبها هجوم مسلح قادته الجماعات الإسلامية علي مديرية أمن أسيوط و هي عملية كان مقدرا لها الفشل أيضا و ما كان لهذه الأحداث أن تهز أمن البلد و تدفعه إلي حالة من التوتر و الطوارئ لو قوبلت بالرؤية السياسية المناسبة خاصة بعد أن تم السيطرة علي تداعياتها سريعا ... لقد كانت ــ بعكس ما جري ــ لحظة تحول هائلة كان من الممكن استثمارها لبداية ديموقراطية وعهد جديد إلا أن الأيدلوجية الأمنية و أجهزتها التي زرعها نظام عبد الناصر و عززها من بعده السادات و التي فرضت وصايتها علي الشعب و حرمته من بناء مؤسسات شعبية ( أحزاب و برلمان ونقابات ...الخ ) تكون قادرة علي فرز زعاماتها و قادتها ... هذه الحالة الأمنية و هواجسها هي التي دفعت بنائب الرئيس ليملأ فراغ السلطة بدون أن يسأل أحدهم نفسه هل هو رجل المرحلة أم لا ؟؟؟ ... مع أن الجميع كان يراه ظلا باهتا خلف الرئيس السادات ... و مابين ساعة و ضحاها وجد حسني مبارك نفسه يجلس في كرسي رئيس جمهورية مصر بعد أن كان غاية مراده أن يحظى بكرسي في سفارة أوروبية بل و استمر حاكما لمدة 30 سنة ... فهل هي العبقرية الفريدة التي مكنته من الاستمرار في الحكم هذا الردح من الزمن ؟؟؟ ...لا أظن ... فقد قالت النهاية كلمتها عكس ذلك تماما و بكل و ضوح وهي أنه من أغبي حكام مصر إن لم يكن أغباهم علي الإطلاق و إن كان له من عبقرية فإنها تتجلي في قدرته الفذة علي اختيار القرار الخاطئ من بين ألف قرار سليم و تجنب ألف طريق للرشد و التنشين علي طريق واحد للغيّ ... كما لا يمكن إبخاس عبقريته في وضع شروط لكل من استمر معه خادما إمّعة قبل أن يكون معاونا و مساعدا و النماذج واضحة بلا كثير من التفسير التي يعف القلم عن ذكرها ( صفوت الشريف و فتحي سرور و فاروق حسني و زكريا عزمي ويوسف والي و بطرس غالي و نظيف و ... و ....) ... كانت قدراته السياسية المتواضعة واضحة كل الوضوح و أن حكمه ــ كأي زعيم عصابة ــ يستند إلي أجهزة الأمن التي ورثها من سلفيه فقام بتدعيمها لتكون أكثر شراسة وخبثا وأطلق يدها تطيح في خلق الله افتراء و بلطجة و فسادا ....
لقد كان أمام حسني مبارك العديد من الفرص للخروج الآمن من غواية السلطة التي هي مسئولية وغرامة في الدنيا و في الآخرة حساب و ندامة ... فقد بدأ حكمه بالكلام عن الكفن الذي بلا جيوب و أنه لن يجدد مدة ثانية أو ثالثة في الرئاسة و فوّت تلك الفرصة الأولي ( الذهبية ) و لو فعلها في حينها لكان قد ترك علامة بارزة في تاريخه و تاريخ مصر إلا أنه ــ كما كان يتباهى ــ لا يهتم لا بالتاريخ و لا بالجغرافيا بل ومن أقواله المشهورة أنه طول حياته لا يسعى إلي شعبية زائفة وهو شذوذ و عكس ما يطمح فيه كل من يعمل بالسياسة ...
ثم كان ما شاهده العالم جميعا و تابعه من تجلي غباءه السياسي في مواجهة أحداث الثورة التي بدأت بمطالب متواضعة لو استجاب لها في حينها فلربما كان قد احتواها و تعامل معها ببعد نظر من يري أن الحظ الذي دفعه لأعلي منصب في الدولة قد أدار له ظهره أخيرا و أن أوان الرحيل الآمن قد حان ولو حتى بالهروب ... إلا أنه من فضل الله و كرمه أنه واجهها بفكره المنغلق و إبصار الكفيف و إرادة مهزوزة بعد أن شُلّت يده الباطشة فتصاعدت مطالب الثوار لتنتهي به داخل قفص من الحديد راقدا علي سرير المرض رافعا أصبعه و هو يجيب علي سؤال القاضي .. " أفندم "
يقول ربنا عز و جل ( سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق و إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها و أن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا و إن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ) 146 الأعراف