February 12, 2011


ما بين منسأة بن مبارك ...ومِنْسَأة بن علي

كتبت هذا المقال قبل ثورة 25 يناير بأسبوع ...و أضفت خاتمته ــ سريعا ــ لحظة تخلي ( العتل )عن سلطته بعد أن سحقت جماهير مصر الثائرة تحت أقدامها عنادا هو قرين الكفر و الغباء ...
و لا أظن إلا أنها كرامة من الله أن يسقط نظام البغي في ذكري سيد شهداء هذا العصر حسن البنا الذي لا يزال مرابطا في قبره يبارك جهاد جيل من قادة الإخوان امتلكوا حماس الشباب و حنكة الشيوخ ... تحية خالصة للمرشد الحبيب (عاكف ) الذي سلم الراية لهم في لحظة وفاء و صدق  
ما بين منسأة بن مبارك ...ومِنْسَأة بن علي

لي تجربة شخصية عن تونس ...في أواسط السبعينات من القرن الماضي ذهبت إليها في مهمة تتعلق بعملي حينما كنت في السعودية
      المشهد الأول  ....
من المطار ركبت ( تاكسي ) و طلبت من السائق أن يقلني إلي حيث يوجد فندق نظيف ومريح و ... علي قد الحال...و بالفعل نزلت من السيارة في  وسط شارع  بورقيبة و سرت في الاتجاه الذي اشار إليه السائق إلا أنني شعرت بمن يتعقبني ...التفت خلفي لأجد فتاة تتقدم نحوي في جـرأة من لا يهمه أمر من اُكْتِشف أمرها ....ثم سألتني في استجواب خشن ..
ــ هل تبحث عن شيئ ؟؟؟
لم يذهب ظني بعيدا فقد كانت شكلا و ملبسا أقرب إلي الرجال ...استفزني سؤالها كما أثار فضولي ...و لما لم يكن لدي ما أخفيه قلت في نبرة من لا يرغب في مواصلة الحديث وأنا أشير إلي أحد الفنادق
ــ ابحث عن فندق و اظنني وجدته
قالت
ــ لا.... هذا غير مناسب و علي بعد خطوات يوجد ما هو أفضل وأرخص
سرت بجوارها و كان من الطبيعي أن تسأل و كان من الطبيعي أن أجيب بأنني حاضر لاختيار فنيين للعمل في السعودية بعد مقابلتهم في أحد المقرات  المعلن عنها سابقا ...وعلي باب الفندق و قبل أن نفترق كان عليها أن تجيب علي سؤال حبسه لساني حيرة و ترددا إلا أنه كان ناطقا و واضحا في عيوني ...
قالت في اطمئنان و راحة بعد زوال شكوكها
ـــ أنا من عناصر البوليس السري المكلفين بتعقب الزائرين لتونس والتأكد من أسباب وجودهم فيها
المشهد الثاني...
     كان عندما ركبت بجوار سائق تاكسي ومن عادتي أن( أنكش) في الكلام معهم و غالبا ما أجد في سائقي التاكسي أصحاب فلسفة خاصة بهم نضجت عن خبرة و مخالطة لكل أطياف المجتمع يعرضونها بأسلوب أولاد البلد ... و كل ما علي لفتح بابها هو أن استفزهم بالأسئلة و بالرأي المخالف
أشرت إلي تمثال قائم وسط الشارع لفارس فوق ظهر جواد و قد تطايرت عباءته خلف ظهره
ــ من هذا ؟؟
رد فيما يشبه الاستنكار
ــ هذا المجاهد الأكبر لحبيب بورجيبه
بادلته استنكارا مصطنعا
ــ صانع هذا التمثال أساء إلي بورقيبة من حيث أراد تعظيمه
لدغته كلماتي فانتفض وهو ينظر إلي في ذعر حقيقي و نظراته الزائغه تسأل عما يقصده هذا المصري المتهور الذي ربما كان جاسوسا مدسوسا ليوقعه في المحظور
عاجلته قبل أن يفيق من هول المفاجأة
ــ تماثيل الفرسان هذه من مخلفات العصور الوسطي ... المجاهد الكبير يركب حصانا ؟؟؟؟ ...هذاعيب ...كيف غاب عنكم هذا الأمر ؟؟؟ ... كان من الأفضل أن يصور التمثال  بورقيبه راكبا سيارة مرسيدس مكشوفة أو علي سلم طيارة  و هو يلوح بيده علامة النصر ... ا
نزلت من السيارة  و لا يخالجني أي شك في أن السائق قد ترك ــ من فرط الخضه ــ أثرا من البلل تحت قدميه....  
المشهد الثالث
الأحد هو يوم الأجازة الرسمي في كل أنحاء تونس و الجمعة يوم عمل عادي فقلت لمرافقي التونسي
ـــ نعمل اليوم حتي موعد صلاة الجمعة .... نصلي ثم نعود لاستئنافه ...
ابتسم في مكر وقال 
ــ لا تشغل بالك  الصلاة...
نظرت إليه مستنكرا و قبل أن أفتح عليه نار الوعظ في فضل صلاة الجمعة و العقاب المنتظر لتاركها...إلا أن نظرتي الملتهبة أطفأها بنفس الابتسامة ... و قال
ـــ لا يذهب ظنك بي بعيدا ...صلاة الجمعة عندنا تقام بعد مواعيد العمل الرسمي ...العمل في نظامنا مقدم علي  الصلاة ... أليس العمل عبادة ؟!!
كتمتت ردا في صدري عن عبادة تحل محل  التعبد و تزحزحهـه عن توقيته مع اتساع الدين لكليهما يسرا و تيسيراعلي  العباد
كان هذا هو النظام  الذي أقامه المجاهد الأكبربعد أن تخلص من رفاق النضال ... نظاما بوليسيا  تجسـسيا ردا لجميل الشعب الذي جاهد استعمارا دمويا و رفعه زعيما و أبا في مكافأة مسمومة بدلا من تعويضه عن سنين الاحتلال و العبودية ....بورقيبة أثبت أنه ابن بيئته فقد تعلم في فرنسا حيث ترتع الماسونية و دعاة الفلسفات المنفلتة و عيون المخابرات التي تلتقط كل جامح و طامح تتعهده و تعده ليوم يتوظف فيه و كيلا خادما و راعيا لمصالحها بعد أن تلبسه طيلسان الوطنية و ترسم فوق رأسه هالة الأبوية و تضع في يده كرباجا يجلد به العصاة من (أولاده ) حبا و تأديبا ... وقد حدث ...فعندما أصبحت تونس على وشك الاستقلال كان على فرنسا الاختيار بين "بورقيبة" والشيخ "الثعالبي"( القائد الفعلي للمقاومة ) كي تسلمه مفاتيح القلعة، وحيث أن الثاني كان سيرفع راية الإسلام والأول كان سيجعلها قلعةً علمانية، فكان أن تم تسليم المفاتيح إلى الحزب العلماني و إلي ربيبها ، و هكذا تم نشل جهاد العلماء على مدى ربع قرن من الجهاد والنضال... و كان علي بورقيبه أن يبرهن  إخلاصه و أهليته  في اتقان دوره باعتبار الإسلام تهديداً للدولة ــ لم تكن الحرب علي الإرهاب الإسلامي قد أعلنت بعد ــ و تقدم علي أوروبا بعشرات السنين عندما وصف الحجاب يوماً بـ«الخرقة البغيضة»، كما صادر ممتلكات الصناديق الإسلامية وأغلق المحاكم الشرعية وكرّس قوانين الأحوال الشخصية العلمانية... و لقد هالني حينئذ عندما رأيت بنفسي الخمارات في بعض الشوارع لا يفصلها عن بعض إلا خمارات أخري...ومن انجازات بورفيبة  أنه كان من أوائل السياسيين العرب الذين رحبوا بالسياسة الأمريكية في المنطقة  وبشروا بها  ففي خطاب ألقاه في شهر مايو 1968م قال "إننا نعتبر أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية يشكل عنصر استقرار يحمي العالم من نوع من الأنظمة الاستبدادية (و بالطبع هو يقصد الشيوعية  )
 و انتهي بورقيبه شيخا مخرفا أمثولة وعبرة ( يبول )علي نفسه كما الطفل بعد أن بلغ من العمر أرذله .. وكان لابد من تسليم المفتاح لـ ( بيدق ) آخر و لكنه بيدق علي رقعة شطرنج بلاد المسلمين برتبة جنرال تجمعت في صنعه و تلميعه خبرة السنين والشراكة الأمريكية الفرنسية... فالتعليم العسكري لفرنسا ... و التدريب للمخابرات الأمريكية التي طلبت  في أول ظهوره في الملعب علي دكة البدلاء تعيينه سفيرا لتونس في بولندا حيث قامت حركة احتجاج قوية ضد الشيوعية ليكون عينا لها وفي نفس الوقت تدريبا ميدانيا وصقلا لمواهبه التجسسية وعملية تسخين لما هو أت ... و في خلال سنوات قليلة يعود جاهزا ليصعد السلم قفزا... ينظم جهازا تونسيا باطشا للأمن  ثم وزيرا للداخلية ثم يزيح المجاهد الأكبر بعد أن أصبح عبئا علي من يغير له ( البامبرز)...   دفع ( الكوتش الأمريكي الفرنسي) بن علي إلي الملعب ليحرز الأهداف ضمن خطة الغرب التي تقوم  علي حصار الإسلام و تجفيف منابعه .... يفهم الغرب بصليبيته الدينية و علمانيته السياسية  أن ازدهار الإسلام لا يتم إلا في بيئة من الحرية  .....و سلاحه في الانتشار هو في دعوته إلي العدل ... لذا كان علي (الِفرْوٍد الجديد ) أن يخليها عتمة  و كحل  باستخدام أشرس وسائل الشرطة  فلا نَفَس و لا بم... و لكي يغتيال الأمل في كل أشكال العدل   انتظم هو وأقاربه و حاشيته و أقارب زوجته ( الكوافيرة ) السابقة في عصابة من المافيا فسادا و إفسادا  يُجبي إليها كل ثمرات التنمية التي يضخ الغرب أموالها و لا ينال الشعب من خيرها إلا ما يسمح به للعبيد من مقومات ليستمر في وظيفته خدمة الأسياد .... و استخدم الغرب كل وسائل إعلامه الإبليسية في التغطية علي النتن الذي يعلم بتفاصيل تفاصيله ...  و التعتيم علي القمع الذي يصنفه في بلاده كجرائم ضد الإنسانية .... و الدعم بتكنوليجيا التجسس و ....تقديم نظام بن علي العلماني الحضاري المعجز النمو ( حسب أرقام البنك الدولي المدلسة ) و الذي هو بلا تنمية حقيقية (حسب واقع الشعب العاطل و المهمش ) ــ يقدمه في وقاحة فاجرة  كتجربة رائدة و جنة ليس لها إلا باب واحد ...
 و من انجازات بن علي
-هو من منع ارتداء الحجاب للفتيات وعدم تعيين المحجبة في الدوائر الحكومية.
-هو من منع مكبرات الصوت في المساجد وصوت الاذان علي اعتبار أنه تلوث صوتي
-هو من منع الصلاة في المسجد الا بعد مراجعة مبنى المخابرات والحصول
على البطاقة الممغنطة واستخدامها في الجهاز على ابواب المساجد.
-هو من منع عدم الحاصلين على البطاقة الممغنطة من الصلاة في المساجد.
-هو من منع تعدد الزوجات وعدم الزاواج من اكثر من واحدة حتى لو لم تستطع الانجاب.
-هو من طلب من الدول عدم استقبال المعارضين التونسيين ولم يجدوا دول تستقبلهم وعادوا الى السجون في تونس.
-هو من منع مدارس تحفيظ القرآن في تونس.
-هو من منع تدريس مادة التربية الاسلامية في المدارس.
-هو من امر بحبس اي شخص اتبع السنه بتطويل لحيته
 
 ــ هو من لم يعرف من التضامن و التكاتف العربي سوي أن يجعل من تونس مقرا دائما لاجتماع وزراء الداخلية العرب  في تحالف بين الأبالسة ...
و سقط بن علي
لم يسقط وإنما تهاوي وتبين للجميع أنه كان نظاما خاويا ميتا منذ أمد بعيد بعد أن تبددت الصورة الخادعة التي كانوا يرونها وهو متربع علي كرسي السلطة   يستند إلي مِنْسَأته (عصاه ) و كأنها عصا سليمان التي أكلتها دابة الأرض ....وعندما انكسرت وقعت جثته ظهر للجن أنه كان ميتا منذ زمن بعيد ...( فلما خر تبينت الجن ألّو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين )
قالوا عن أسباب انهيار هذا النموذج العفن الكثير ...وجود طبقة متوسطة مؤثرة وشباب متفتح يستخدم  وسائل الاتصال الحديثة ...نسبة عالية في التعليم و نوعيته ...فساد و أفساد بلغ مداه .... الإحساس بالذل و الفقر ...انتحار بوعزيز ...كلام كثير عن المعجزة و الحلم الذي تحقق .....الخ .... كله صحيح  و لكن لم يجب أحد عن السؤال ...و لماذا الآن ؟؟.... لمذا لم يثر الشعب من سنين وعقود  و َصَبر كل هذا الوقت ؟؟.....لماذا هذا التوقيت  ؟؟؟...
أجيب و بالله التوفيق ....
   إنها كرامة من كرامات المولي عز وجل ...لها أسباب مادية ... نعم ...و لكن توقيت هذه الهبة و اجتماع الناس عليها و مواجهة الخوف بلا خوف ــ أخذا  بالأسباب ــ هو  الانفراج ....هو الكرامة ....هو المدد و العون الذي لا يخضع لأي حساب و لا يستطع أجعص محلل أن يتنبأ بموعده   ... لكن سنة الله في خلقه و قوانينه الربانية هي التي تهدينا إلي تفسيره.... فربما كانت استجابة  لدعاء رجل صالح في جوف الليل ...أو صرخة أرملة مكلومة قتلوا زوجها ظلما ...أو عَبْرة أم ثكلي حرموها من ولدها وزجوا به في جب لا قرار له ...إنها كرامة رسالتها واضحة لتثبيت المؤمنين علي الطريق و ِعبْرة بينة للطاغين بأن أخذه أليم شديد و ضوءً كاشفا يبين أن الطغاة جميعا ما هم إلا تماثيل ميتة علي كراسي السلطان  في انتظار قيام دابة الأرض بإعلان موتهم....
    يا فرج الله القريب....انتهي المقال ....
كتبت هذا المقال قبل اندلاع ثورة شباب مصر ...فهل كنت أتوقع حدوثها ؟؟؟..أكذب إن قلت نعم ....هل كنت أبشر بها ؟؟؟ ... رغم أنني منذ شهرين رأيت في منامي كأن حسني مبارك عبارة عن تمثال متيبس تتساقط أعضاءة عضوا عضوا إلا أنني لم أكن متأكدا من تحقيقها كيف ؟؟ و متي ؟؟؟ و أين ؟؟؟؟ رغم وضوح تأويلها .... لأن العتمة و الظلام الدامس شكل طبقات من اليأس بعضها فوق بعض ... و لكن منطق الإيمان كان بدوره  يدفع في محاولة اختراق هذا الحائط الأسود ( حتي إذا استيأس الرسل و ظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا .... )...و إن الله ليملي للظالم حتي إذا أخذه لم يفلته ...و إن أخذه أليم شديد ... ثم  دعوة المظلوم الذي يتلقاها سبحانه فيقول و عزتي و جلالي لأنصرنك ولو بعد حين .... و
قل الله مالك الملك ...تؤتي الملك ...و تنزع الملك ممن تشاء ...و تعز من تشاء ... و تذل كل عتل عنيد