الاتجاه المعاكس
قال له
ــ ما رأيك في التوريث ؟؟
رد في عفوية
ـ ــ التوريث شيئ فطري ... الإنسان يحب أن يكون أولاده
امتدادا له ... وفي الماضي القريب كان أصحاب الحرف يورثون أبناءهم صنعتهم مما ساعد
في تراكم الخبرات مما أدي إلي ازدهار و اتقان فنون العمل اليدوي الجميل في مجالات
الزخرفة المعمارية و صياغة الذهب و أشغال الأرابيسك و غيرها ... لدرجة أن كانت العائلات بأجيالها المتلاحقة تسمي بأسماء
الحرف كعائلة النجار و الجزار و الحداد و
الصايغ و العطار...و في أيامنا هذه يورث الأطباء أولادهم مهنة الطب و يحرص
العسكريون علي إلحاق أولادهم بالقوات المسلحة و الشرطة ...و كثير من الموظفين
يعينون أولادهم في نفس المصالح التي يعملون بها ...يعني شغل التوريث ماشي علي ودنه
من زمان لم يتوقف ....
ــ ياعم خليك هنا ...أنا أتكلم عن التوريث السياسي ...
توريث الحكم ؟؟؟
ـ التوريث شيئ عظيم مذكور في القرآن ...( و و رث سليمان
داوود و قال يأيها الناس علمنا منطق الطير و أوتينا من كل شيئ إن هذا لهو الفضل
المبين ..... النمل 16 ....) و..استخلف سيدنا مسي أخاه هارون علي بني اسرائيل
...(........... وقال موسي لأخيه هارون اخلفني في قومي و لا تتبع سبيل
المفسدين...... الأعراف142 )... و تمني زكريا أن يرزوقه الله الولد ليرثه و يرث من
آل يعقوب و......
قاطعه في حدة
ــ يا عم اترك الاستشهاد بالقرآن للشيخ إياه كبير علماء السلطة لكي يبرر التوريث بالآيات و
الحديث ؟؟؟ ...
لم يهتم لحدته ...قال في هدوء
ــ أنت سألتني عن توريث الحكم و أنا أجيبك بأنه معروف و موجود ...
رد في صبر نافذ
ــ أين ؟؟؟
ــالملوك و الأمراء يورثون أبناءهم ...
ــ ياعم أنا أتكلم هنا .... عن بلدنا ...الجمهورية... عن
عزبة إسمها مصر ...هل تعيش معنا؟؟؟ ...ألا تسمع و تقرأ و تشاهد الضجيج الهائل الذي
يدور عن حالة البلد و انتخابات الرياسة القادمة ... ؟؟؟
اعتدل في جلسته ثم قال ...
ــ أسمع ضجيجا و لا أري طحنا ...
في نبرة يأس ...
ــ أنت غاوي ألغاز ...
ــ لا ألغاز و لا يحزنون ... الصورة ــ لمن يتأملها ــ
في منتهي الوضوح ...الرئيس مستقر في الحكم منذ عقود من الزمن و يمارسه وفق رؤية
يراها حققت استقرار ا حتي ولو كان يرتكز علي عصا الأمن .. و حتي ولو كان هاجسه
الشك القاتل لحيوية الناس ... وحتي ولو
كان ثمنه الجمود و سحب العافية و شل الطموح و اعتقال الأمل و الحلم ...حتي ولو
كانت نهايته موت سريري لكل خلايا المجتمع السياسية و المدنية .. و طوال فترة حكمه لم يري داعيا لوجود نائب
له ربما لعدم الحاجة ... ربما لعدم الثقة ... و ربما تشاؤما ... و ربما لرغبة في
أن يسجل له التاريخ أنه آخر من شغل
منصب نائب الرئيس !!!... و ...في الجانب
الآخر من الصورة يظهر نجله
بعد أن دفع به إلي قمة الأحداث السياسية و جمع حوله نخبة من المليرديرات
الجدد و (عيال ) الأعمال قاموا بتجنيد كل من وضع علمه و خبرته فوق عربة يدفعها بيده
ــ مثل الباعة الجائلين ــ سبوبة للبيع
...و استقطب كل من ربط مصيره بمصير النظام بعد أن انفتحت شهيته لنيل نصيبا
من ( أنجر الفتة و هبر اللحم ) ...المجموعة المحيطة بالنجل تقوم بخطوات محسوبة
ومحمومة لخطف و مصادرة مستقبل النظام عن
طريق التحكم في مفاصله الاقتصادية و الإعلامية و باستخدام العصا و الجزرة ...و كل
يوم يمر يزيد من تغولها و توحشها بصرف النظر عن النكت التي يرفعونها شعارات يضحكون بها علي الناس و التي انتهت
بمزحة تفجير ثورة
إصلاحية يقودها النجل من أجلك
أنت.... مع أن هذا الأنت ... هو
بالتأكيد... ليس أنت ....!!!
هز رأسه
ــ و لكن الناس
لا يضحكون علي النكت البايخة ولا يهتمون بأي تفجير بعد أن أصابتهم خيبة
الأمل بعد تفجير البطيخ الأقرع ... و لا يكلفون خاطرهم بالبحث عن الحرامي الذي
أسمه ( أنت ) و الذي تسلل واختبأ تحت سرير
البلد وهي تغط في نوم لا يقظة منه .
ــ يا بني افهم ...يصدقوا أو لا يصدقوا ...هذا لا يعنيهم ... النظام يلعب علي المكشوف
... فهو يزور الانتخابات عيني عينك بالصوت و الصورة ...و حول الحياة النيابية إلي مسرح للعرائس ...
و نزع أنياب الدستور فلا حساب و لا عتاب لأهل الحكم و إنما عقاب و
حرمان و ضياع قانوني لكل من ..رمش بالعين
... أو راوده حلم يقطه أن يقترب من حقول الألغام ...
قال في حماس
ـ و لكن الناس كسروا حاجز الخوف و يناقشون الآن مستقبل
رئاسة الدولة بعد أن كان محرما عليهم مجرد
ذكر مقام الكرسي و لو تلميحا...
ــ هذا صحيح إلي حد ما ... فقد بدا هذا تراجعا أمام المد
الذي حدث في انتخابات 2005 نتيجة ضغوط إدارة بوش ... إلا أن النظام
سرعان ما قام بحركة التفاف و ألغي
الإشراف القضائي علي الانتخابات و (عوج )
الدستور و سلحه بأنياب المحاكم العسكرية و سد بمواده كل ما يمكن أن يكون ثغرة تسمح
بتسلل أي شعاع من الضوء يسمح بحراك سياسي ... يعني خلاها عتمة...
ــ و لكنه لم يستطع تكميم الأفواه و إعادة العجلة إلي
الوراء بل و ازداد النقد للنظام ...
ــ هذه أيضا تحسب له ...فقد اعتمد منذ مدة نظام( الهبهبة ) الإعلامي وفقا لشعاره جعجع كما شئت ...و نحن نعمل ما نشاء ...و بشرط عند ...ال... ال....تقف و تشد الفرامل و ... لكن ... و في الفترة الأخيرة حدث ت بعض
الاختراقات تجاوزت حدود ال ...ال... بما
سمح لمستقبل الرئاسة أن يصبح موضوعا للنقاش العام... إلا أن أسلوب الرئيس في تناول
الأمور لم يتغير و لا أظن أنه سيتغير... و
هو ...ألا يخضع لظرف ضاعط و لا يلتفت
للأصوات ال! ! ! عاليه ... و إنما يفاجئ الناس بقراراته ... كما يفعل عادة في
الإقاله و التعيين ...فليس للشعب رأي في اختيار وزير ...و لا ضرورة في معرفة أسباب رحيله ... و كل
ما يجب عليهم العلم به هو أن الكل موظف في
نظام سيادته الذي يلزم المنتسبين له بالطاعة و السير بين خطين وفق معايير خاصة
بالمقام السامي
ــ يعني ؟؟؟
ــ يعن أن الأمور غاية في الوضوح ... الرئيس لن يجد أفضل من إبنه كي يستخلفه و هو يعلم جيدا
أن ذلك لابد أن يتم في وجوده ليضمن انتقالا آمنا و مضمونا للسلطة ....و إلي حين
صدور القرار فإن الهمة قائمة في زيادة شغل
التلميع و تهيئة أكثرللمناخ ...و
الإغراء بالتنازلات و الصفقات لإقناع
القوي ( الصديقة ) التي بإمكانها الاعتراض و العرقلة...و علي عكس ما قديظن ... فإن
النظام سعيد بهذا الضجيج ! ! ! بلا طحين في وسائل الإعلام بما يثيره النقاش و ما
يطرحه من خطط و أسماء مختلف عليها مع أحزاب الأنابيب لا تضمن النجاح في أي انتخابات حتي ولوكانت علي منصب عمدة إحدي القري ... أنا علي يقين بأن النظام في غاية من البهجة
و هو يشهد شبورة هائلة من الحوارات و المبادرات و التمنيات المنزوع منها القدرة علي الحركة و الفعل وعلي الرغم من
مقابلته كل ذلك بالصمت و عدم المبالاة
...إلا أنه يشعر بأن ذلك يصب في
مصلحته كديكور ديموقراطي يواجه به العالم
الخارجي لخدمة مشروعه ..و بيئة مثالية
في الداخل لزيادة البلبلة و جوا يتناسب
مع أسلوبه الذي اعتاده في الكتمان ثم .... ثم اختيار وقت المفاجاة ليصعقه
بالقرار ( المناسب ) و المعاكس لكل توقع
!!!!
أشاح بيده ...
ــ يعني عتمة ...ظلام دامس كحل ...
تمدد في كرسيه ..
ــ شوف ... لن يتبرع أحد بأي تنازل ....لم يفعلوا ذلك في
الماضي ... و لن يفعلوه في المستقبل ...و علي الناس أن يأخذوا المبادرة و يحددوا
مستقبلهم بأيديهم ...
قال في انزعاج ...
ــ هل تحرض علي الثورة ..؟؟
رد بسرعة ...
ــ أبدا الثورة هي الفوضي و الخراب ...و يكفي ما عانيناه
من بتوع يوليو 52 ... و لا يلدغ (المصري ) من ثورة مرتين ...
قال ساخرا
ــ حيرتني معك ...ماذا تريد ياعم ؟؟؟
ــ إذا أرت أن تفهم ... تصور أن النظام سقط و حل محله
نظام جديد ... هل سينهي ذلك مشاكل الشعب ؟؟؟
قال بسرعة ..
ــ طبعا ...من فمك لباب السماء .... ياااااه...كابوس يا
رب ينزاح ...
ــ أؤكد لك أنه بمجرد سقوط النظام ستنفجر كل المشاكل
المدفونة تحت أرجلنا ألغاما مشحونة باليورانيوم المنضب ... الناس المحرومين من
الحد الأدني و يعيشون علي الكفاف في عشوائيات غير آدمية ...بطالة و عنوسة و انهيار
خلقي و فساد و مياه شرب عامرة ببلاوي المرض
و مجاري متفجرة ...فوضي المرور حولت
السيارات إلي نعوش طائرة تحمل الموت و العاهات ... و مآسي قطارات سكة (
حموت مصر ) ...مشاكل المرض ...الفشل الكبدي و الكلوي و الفيروسات و تلوث البيئة و الزبالة .. هذا غير مشاكل
التعليم و تنابلة الجهاز الحكومي و خراب الاقتصاد و الديون و الغلاء و
صياعة الشوارع ! ! ! و القضايا المرفوعة من نصف الشعب ضد النصف الآخر ...
قال مازحا
ــ يعني ثمانين مليون مشكلة ...
ــ هذه هي الحقيقة ... و كلهم ــ بعد اليأس ــ سيصحو
عنده الأمل و اللهفة علي الخلاص ... فهل يستطيع أي نظام جديد أن يقول للمشاكل عيب
وكفاية و يأمرها ( انتهي ) ...فتختفي
...أم أن شهر العسل سينقضي سريعا... تنزل
بعده الجماهير الثائرة إلي الشارع لتهتف بسقوط النظام الجديد ...
ــ يا عم خلاص ... خليتها ضلمه ... ياعم موافقين علي
التوريث.... رضينا بالغلب ...بس يارب الغلب يرضي بنا ...
قال في هدوء
ــ ما أردت أن أشيع اليأس ...ولا أظن وجود من يرضي
بالتوريث ...ولكنني أيضا ضد خطر الفوضي... النظام شاخ و تيبست مفاصله و
مشاكل البلد أصبحت أكبر من قدرته... و الفشل يلاحقه في كل خطواته ... وشعاراته ــ التي استوردوها من المريخ ــ تعلن
إفلاسه ..من بداية تفجير ثوة الإصلاح مرورا بمصر تتقدم بينا و انتهاء بمن أجلك أنت
... الثورة الموجودة تملا النفوس ثورة حقيقية ... وهي غير ثورتهم الإصلاحية... لن
تنفع معها رشاوي انتخابية أو موسمية ...أو ركوب الموجة الكروية ... أو بضعة ملايين
يرشوها علي الفلاحيين و القري الأكثر فقرا... و إنما الخوف من أن يصبح الوطن كله
ضحية تفجيرها ...الاحتجاجات و المطالب الفئوية و الإضرابات و الصدام مع جميع فئات
الشعب من ! ! ! مع أطباء و مدرسين و قضاء و موظفين و نقابات ....الخ ...كلها تعني
أن النار مشتعلة تحت الرماد ( أري خلل الرماد وميض نار و يوشك أن يكون له ضرام )
..... النظام سيتنتهي يوما ما و في الأجل المنظور و هو في مرحلة
يتآكل فيها يوما بعد يوم ...فلا يمكن استمرار أي حكم أو فرض حاكم ــ مثله مثل أي احتلال ــ ضد
إرادة الناس... المهم أن يدرك الناس أنهم مطالبون بالاستعداد ليوم يواجهون
فيه مرحلة ما بعد سقوطه يتحملون فيها مسئولية مستقبلم بلا عون أو
مساعدة من أحد و أن عليهم ــ كثمن للحرية ــ تحمل إزالة آثار الدمار و
التجريف الذي أصاب بنية البلد الاجتماعية و ا! ! ! لسياسية و الاقتصادية و
الأخلاقية و التي ستستمر بالتأكيد إلي سينين من الجفاف و التقشف ..و عليهم أن
يتوقعوا عراقيل و حصار من القوي الخارجية التي رفعت الفيتو دائما في وجه أي نمو حقيقي لبلدنا خدمة لمصالحها وتواطؤا مع صهاينة بني اسرائيل ...و ما لم يكن لدي الشعب و عي و مشروع مسبق يقوده و تصور متفق عليه فإن الفوضي و التخبط هو
البديل... و كأنك يا بو زيد ما غزيت ...
فكر قليلا ..
ــ هل معني كلامك أن ما يدور وسط المعارضة من مبادرات و طرح أسماء للمنافسة
في انتخابات الرياسة عبث لا فائدة منه ...
ــ أبدا ... أنا مع أي حركة تصحصح الناس و تثير حماسهم
...و لكن يجب أن يكون هدف الضجيج الإعلامي لمنع التوريث هو خطوة نحو
تجمع حول مشروع و خطة عمل للتتواصل مع قوي الشعب الحقيقة الموجودة في الشارع ... التركة ثقيلة ... ولا نجاح ولا خلاص
حقيقي إلا باستنفار الشعب و استفزاز همته
و استحضار كل ما حرصوا علي تغييبه و ابعاده عنه
...و الطريق طويل..
ــ أنت وضعت العقدة في المنشار ...و الخلاف بين
الاتجاهات السياسية سيد الموقف ... و أين المشروع الذي يمكن أن يجتمعوا عليه ..
ــ شوف ...كل من أراد أن يسيطر علي الشعب في الماضي و
الحاضر ــ سواء كان احتلالا خارجيا أو
احتلالا و طنيا أو عدوا لازال يتربص به
ــ أدرك أن لا سبيل إلي ذلك إلا بقطع صلته
عن دينه أو علي الأفل محاصرته و نزع فعالياته ... فكان عداء لم يفتر أو ينقطع ...
و حربا بلا هوادة علي ذاكرة الأمة تشويها
و تلبيسا و تفزيعا و تخويفا ... و استخدم
في ذلك كل ما أنتجته شياطين الإنس و الجن من أساليب ورش وعدد
التفكيك و التقطيع و مضخا! ! !
ت شفط و تجفيف المنابع و تحديث أو تفريغ
الخطاب الدين و مؤامرات أو مؤتمرات (
تحويرات ) الأديان و تزويق و تغليف الأيدوايجيات ....و المنطق يقول ــ بالاختصار المفيد و بلا
فزلكة أوكلام كبير ــ أن من يريد الإصلاح ما عليه إلي إعادة وضع القاطرة علي قضبانها ثم يتوكل علي الله .... و يسير في الاتجاه المعاكس ...